كتب- محمد صفوت
تتزايد المخاوف في الشرق الأوسط من اندلاع حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل يمكن أن تتسع وتنزلق إليها دول أخرى، ومع تعهد رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ”رد قاس” على هجمات مجدل شمس، تبذل دول العالم جهودًا لتجنب حرب واسعة في المنطقة.
أدت الضربة التي استهدفت مجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة شمالي إسرائيل، إلى مقتل 12 مراهقًا وطفلاً وفق تقديرات إسرائيلية، وزادت من حدة التوترات بين إسرائيل وحزب الله، الذي نفى مسؤوليته عن الحادث رغم إصرار الدولة العبرية بأن الجماعة اللبنانية وراءه.
ومع مرور الوقت، تزداد التوقعات باقتراب الرد الإسرائيلي على هجوم مجدل شمس، فيما حرك حزب الله صواريخ موجهة تأهبا للرد على الهجوم المحتمل، وأعلنت الجماعة اللبنانية أن دفاعاتها الجوية تصدت لطائرات حربية إسرائيلية اخترقت حاجز الصوت فوق الأجواء اللبنانية وأجبرتها على التراجع.
وقال مصدر في حزب الله، لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إن الجماعة اللبنانية لا تسعى إلى الحرب مع إسرائيل، لكنها تستعد للرد على أي هجوم انتقامي من الدولة اليهودية، مشيرًا إلى استعدادهم لاستخدام صواريخ دقيقة التوجيه عند الضرورة.
استنفار لـ”محور المقاومة”
تزامنًا مع التهديدات الإسرائيلية، والمخاوف من اندلاع حرب في جنوب لبنان حيث يتمركز حزب الله المدعوم من إيران وأحد أكبر أذرعها بالمنطقة، طلبت طهران من قادة جبهة المقاومة بالمنطقة الاستنفار تحسبًا للرد الإسرائيلي.
صحيفة “الجريدة” الكويتية، نقلت عن مصدر وصفته بـ”عالي المستوى في فيلق القدس الإيراني” قوله، إن حسن نصر الله زعيم حزب الله أطلع قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني على ملابسات هجوم مجدل شمس، مؤكدًا أن الصاروخ لا يعود لجماعته.
وبحسب المصدر، أرسلت إيران رسائل إلى كافة قادة جبهة المقاومة تدعوهم للاستنفار تحسبًا للهجوم الإسرائيلي المحتمل، وطالبتهم بمهاجمة إسرائيل دفعة واحدة ومن كل الاتجاهات إذا حاول جيش الاحتلال اجتياح لبنان.
وذكر المصدر، أن قائد فيلق القدس، أصدر أوامر لقادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان بفتح مخازن الصواريخ وتسليم حزب الله كل ما يحتاجه في حال بدأ جيش الاحتلال في اجتياح لبنان.
أمريكا تسعى لاحتواء الموقف
وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، صرح الثلاثاء، بأنه لا يعتقد اندلاع مواجهة بين لبنان وإسرائيل، رغم تصاعد التوترات على الحدود بين الدولتين، معربًا عن عدم شعوره بالقلق من احتمال تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله إلى مواجهة شاملة.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي، أن بلاده، ترغب في “حل الأمور بطريقة دبلوماسية”، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستفعل ما يلزم من أجل الدفاع عن نفسها، في حال اندلاع حرب على جبهتين في غزة ولبنان في آنٍ واحد.
ويسعى حزب الله وإسرائيل جاهدين فيما يبدو لتجنب اندلاع حرب شاملة منذ بداية تبادل إطلاق النار والقصف في 8 أكتوبر الماضي، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 450 شخصًا في لبنان بينهم 350 من عناصر حزب الله، ومصرع 17 جنديًا إسرائيليًا ونحو 23 مدنيًا في دولة الاحتلال.
تحذير أمريكي من استهداف بيروت
في سياق محاولة التهدئة وعدم انجرار المنطقة إلى حرب شاملة، أكد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت إسرائيل من مهاجمة أي أهداف لحزب الله في العاصمة اللبنانية بيروت، إذ سيعتبرها حزب الله تجاوزًا لـ”خط أحمر”.
ووفقا لـ”أكسيوس”، نقل عاموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي إلى لبنان، التحذير الأمريكي بعدم استهداف بيروت، إلى يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي، مؤكدًا أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن عليها تجنب التصعيد الشامل.
ونقلت وكالة “رويترز” البريطانية للأنباء، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب تسعى لإلحاق الأذى بحزب الله دون الانجرار إلى حرب واسعة، فيما ذكرت مصادر أن الدولة العبرية تستعد لقتال ربما يستمر لبضعة أيام.
وأكد مصدر لـ”رويترز” أن التقديرات تشير إلى أن الرد الإسرائيلي على هجوم مجدل شمس لن يؤدي إلى حرب واسعة.
وأشارت مصادر للوكالة البريطانية، إلى أن واشنطن تقود حملة دبلوماسية تهدف إلى ردع إسرائيل عن ضرب بيروت والبنية التحتية المدنية في لبنان، وحثها على تجنب استهداف المناطق المكتظة بالسكان والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية التي تشكل معقل حزب الله.
تراجع شعبية حزب الله
التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، له تبعاته على الجماعة اللبنانية التي تراجعت نسبة تأييدها في لبنان، حسبما أظهر استطلاع رأي حديث صادر عن “الباروميتر العربي”، لكنه رجح ارتفاع شعبية وتأييد حزب الله في حال اندلاع حرب مع إسرائيل.
الاستطلاع يظهر أن 55% من المشاركين في الاستطلاع بلبنان إنهم لا يثقون بحزب الله على الإطلاق، فيما يرى 30% من المشاركين في الاستطلاع إن لديهم ثقة كبيرة بحزب الله، وتختلف مستويات التأييد والثقة بحسب الطوائف في البلاد.
قيادة “محور المقاومة”.. معضلة حزب الله
تقول مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، في تحليل لها إن المحللين والقادة يركزون على إسرائيل باعتبارها الجهة الفاعلة التي قد تثير سياساتها الحرب أو تتجنبها، لكنها تؤكد أن على الراغبين في خفض التصعيد النظر عن كثب إلى حسابات حزب الله.
ترى المجلة الأمريكية، أن حزب الله يواجه معضلة تحد من خياراته، إذ إن عليه استعادة قدرته التي فقد بعضًا منها خلال 9 أشهر من التوترات والقصف المتبادل مع الدولة العبرية، كما أن هشاشة لبنان تدفعه لتجنب اندلاع حرب واسعة مع إسرائيل.
في حال اندلاع حرب واسعة وشنت إسرائيل عملية برية لإنشاء منطقة عازلة جنوب لبنان فمن المؤكد أن الصراع سيطول أمده، ومع ذلك، يعرف حزب الله أن الحرب الشاملة مع إسرائيل من شأنها أن تعرض مستقبله ومكانته الإقليمية للخطر.
ويعتمد حزب الله على دوره القيادي الذي يلعبه في “محور المقاومة” المدعوم من إيران، وربما تصبح هذه المكانة مهددة حتى من أقرب الحلفاء “الحوثيين” الذين تحملوا الغارات الإسرائيلية التي استهدفت ميناء الحديدة في اليمن.
وأشارت المجلة، إلى أن حزب الله كان في ذروة قدراته ويسعى لاختبار حدود إسرائيل قبل هجمات السابع من أكتوبر، حيث أمضى سنوات في إعادة بناء قدراته الدفاعية والردعية بعد حرب 2006 حتى منتصف 2023، وأصدر زعيمه حسن نصر الله تحذيرًا مباشرًا للدولة العبرية من أن أي اغتيال على الأراضي اللبنانية سيستدعي رد فعل قوي.
تحليل “فورين أفيرز” يتوافق مع “بلومبرج” التي قالت في نوفمبر الماضي، إن حزب الله أصبح أقوى من أي وقت مضى، ودخوله في صراع شامل مع إسرائيل يعني خسارته الكثير.
لكن هجوم حماس على إسرائيل قلب ثقة حزب الله رأسًا على عقب وترك الجماعة في فخ، إذ أرغمتها عضويتها في “محور المقاومة” على الانضمام إلى الحرب بين حماس وإسرائيل في يومها الثاني.
انتهاك “قواعد الاشتباك”
على مدى عقود حافظت إسرائيل وحزب الله على بناء مجموعة معقدة من قواعد الاشتباك حالت إلى حد كبير دون اندلاع حرب شاملة ووفرت حماية إلى المدنيين اللبنانيين ومدن شمال إسرائيل، وانهارت مؤقتًا تلك القواعد في حرب 2006، التي أسفرت عن مقتل 1200 لبناني و165 إسرائيليًا، وفق “فورين أفيرز”.
تؤكد “بلومبرج” أن ما يسمى بـ”قواعد الاشتباك” بين حزب الله وإسرائيل، تقصر القتال على المناطق اللبنانية التي يعتبرها حزب الله محتلة، وعلى أهداف عسكرية.
بعد اندلاع حرب غزة، انتهكت إسرائيل قواعد الاشتباك النموذجية مع حزب الله باغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقتل كوادر ومقاتلي حزب الله في المراكز الحضرية الكبرى في جنوب لبنان وشمال شرق وادي البقاع، وشن ضربات من طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار وصلت إلى شمال شرق لبنان.
اقرأ أيضًا:
لتجنب اندلاع حرب في لبنان.. رسائل غير مباشرة بين حزب الله وأمريكا
معركة الجنوب اللبناني.. هل تنضم أذرع إيران لحزب الله في مواجهة إسرائيل؟