جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
د. أمــل الجمل
ليست مجرد أفلام، لأنك سترى كنوزاً من الأرشيف. ليست فقط قصص خيالية، لأن هناك معامل ومدارس وورشات عمل لتعليم أجيال جديدة شابة عمليات الترميم وأصوله من خبراء عالميين. إنه معبد العشاق وجنتهم المنتظرة، المغرمين بالفن السابع، و«السينفيليين» – أي عُشاق السينما- من كافة الأطياف والأعمار، هناك برنامج للأطفال، للشباب، للكبار، للمتخصصين، ستجد أفلاماً رومانسية، وأفلام رعب، وأكشن، وأفلام عن نضال الشعوب، وأخرى عن صراعات الإنسان، وثالثة عن قهر النساء، ستجد أعمالاً كوميدية وتراجيدية، وثائقية وروائية وتجريبية، ستجد أفلاماً صامتة مع فرق موسيقية حيَّة في أمسيات ساحرة مفتوحة على السماء والأفق، وأخرى بالأسود والأبيض، والبعض الآخر من السينما الملونة، ستجد أفلاماً من أشهر مهرجانات الأفلام القصيرة في العالم – كليرمون فيران، ومن أشهر مهرجانات الرسوم المتحركة في العالم.
هنا، في بولونيا – المدينة التي تستضيف المهرجان – يمكنك أن تشاهد أفلاماً لم تكن تتوقع أن تراها في حياتك لأنها كانت في عداد الأفلام المفقودة، لكن عمليات الترميم والجهود الدؤوبة أعادتها للحياة وتم حفظها، ثم جاء مهرجان «إل سينما ريتروفاتو – أي السينما المُعاد اكتشافها – وأعاد إليها قبلة الحياة مجدداً، لأنه أتاحها للجمهور. فالمهرجان يعتمد أساساً على السينما المنتجة منذ بداية عصر السينما والتي تم ترميم أغلبها، ومنها أنواع وأفلام لم يكن الجمهور يعرف عنها شيئاً، بمعنى آخر ليس هناك فيلم واحد يُعرض للمرة الأولي عالمياً، لكن هناك أفلاماً تعرض للمرة الأولى بعد الانتهاء من ترميمها.
المدهش، أن نخبة من أشهر صناع الأفلام والنجوم المخضرمين والشباب سيقومون بتقديم عددا من هذه الأفلام، كذلك بعض صناعها سيحضرون، ممن لا زالوا على قيد الحياة. ستجد ندوات ولقاءات ومحاضرات، ونقاشات حول أوضاع السينما وأرشيفها وإشكالات الترميم، وأثر السينما على المدينة، إضافة للتكريمات، ومعرض الكتب السينمائية وأحدث أشكال مشاهدة الأفلام مثل «البلو راي» والـ«دي في دي» DVD ، وهناك مسابقات حول أفضلها توزيعاً، ومعارض فوتوغرافية لأشهر النجوم والنجمات مثل مارلين ديترتش أيقونة النساء في عصرها.
مارتن سكورسيزي – نفسه – يدعم هذا المهرجان بقوة – مادياً ومعنوياً – كذلك تدعمه كافة أرشيفات العالم، تدعمه وتحترم جهوده وتقدر شغف وإخلاص القائمين عليه، لذلك تتعاون معه، أليس هذا كافياً؟ لكن، دعونا نتحدث بالأرقام حتى لا نبدو للبعض كأننا نبالغ. مثلاً: سيتم عرض ٤٨٠ فيلمًا تم إنتاجها في ٣٥ دولة.
هذه الأفلام تم الحصول عليها من أكثر من ١٤٠ أرشيفًا ومُقرضًا. ظاهرياً تستمر بانوراما المهرجان وفعالياته الثقافية في دورته ال٣٨ تستمر على مدار تسعة أيام كاملة، من ٢٢ يونيو وحتى الثلاثين من يونيو، هكذا الأمر يبدو رسميا لكل ضيوف المهرجان من كافة أنحاء العالم، لكن المهرجان يبدأ عروضه للجمهور المحلي منذ ١٨ يونيو ويمتد حتى السابع من يوليو. إذن هناك 20 أمسية سينمائية، ستكون هناك عروض يومياً مسائية في ساحة ماجوره العريقة التاريخية الشهيرة، إضافة إلى سبع قاعات سينمائية آخرى منها قاعة تم تجديدها وترميمها وأٌعيد افتتاحها للجمهور في هذه الدورة.
لك أن تتخيل كيف أن هذا المهرجان «ال سينما ريتروفاتو» – الذي يُقام في مدينة بولونيا الإيطالية – يُديره أربعة رؤساء، وأن ورائه فريق عمل ضخم، فهناك ١٢ أميناً مسؤولين عن الأقسام الستة عشر المختلفة التي يتألف منها البرنامج، بالإضافة إلى فريق عمل مكون من ٨١ محترفًا من «سيناتيك بولونيا» ومن «مودرنسيمو» Modernissimo، الذين يعملون طوال العام، إضافة إلى ١١٠ من المتعاونين، وأكثر من ٣٠٠ متطوع يساهمون بجهدهم طوال أشهر الإعداد والترتيب له.
بقي أن نضيف أن المسؤلين عن المهرجان البولوني العريق صرحوا مؤخراً أنهم استقبلوا في العام الماضي أكثر من 5000 من حاملي بطاقات المرور من ٥١ دولة، وأكثر من ١٢ ألف متفرج استمتعوا بمشاهدة ٢٨٠ من العروض الفردية، هذا بخلاف الأعداد الغفيرة في العروض الجماعية ففي اليوم الأول من دورة العام الماضي سجلوا نحو ستة آلاف متفرج، وهذا العام مع إضافة قاعة «مودرنسيمو» يتوقعون المزيد من الأرقام المذهلة. ليست مبالغة لأن البرنامج يتحدث عن نفسه. وسنتابع معكم في مصراوي كثير من فعالياته الشيقة.