جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أدت كثرة النزاعات الدولية المسلحة وانتشار الصراعات، وآخرها الحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى عودة طـرح القانون الدولي الإنساني كموضوع للمناقشة.
لقد أصبح مجرد الحديث عن قانون دولي إنساني أو أية اعتبارات إنسانية يُواجه بالتهكم أو السخرية أو الهجوم إما بسبب انتهاكاته المستمرة من قبل سلطة الاحتلال أو بعض الدول الغربية وغير الغربية أو بسبب عدم القدرة على تطبيقه أو ازدواجية المعايير عند تطبيقه.
كما يضاف إلى ما سبق تعقد طبيعة النزاعات المسلحة من حيث انخراط قوات مسلحة نظامية مع جماعات مسلحة غير نظامية في نزاعات محلية عابرة للحدود الوطنية مثل النزاع السياسي في سوريا، بالإضافة لانتشار أطرف مسلحة أخرى وانشطارها كانشطار الذرة الأمر الذي تسبب في وجود تحديات حقيقية للتطبيق الصحيح والأمين للقانون الدولي الإنساني.
كما يوجد تحدٍ قانوني يواجه تطبيق القانون الدولي الإنساني يكمن فـي التعقـد والتداخل بيـن القانـون الدولـي الإنساني وفروع القانون الأخرى، مثل قانون حقوق الإنسان أو القانون الجنائي الدولي، التي تسـتند إلى أسس مختلفـة رغم أوجه الشـبه بينهـا، وما ترتب على ذلك من وجود تفسـيرات فقهيـة مختلفة تم الاحتجاج بها للتنصل من تطبيق القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة والحروب على الإرهاب وبالتالي زيادة حد الاستثناءات في خفض مستوى الحماية القانونية للمدنيين.
ويرتبط بمعضلات تطبيق القانون الدولي الإنساني السابقة دخـول تكنولوجيات جديدة إلى ميدان المعركة الحديث، ممـا أدى إلى إثارة أسئلة جديدة تحتـاج إلى إجابات عملية عاجلة. منها هل ينطبق القانون الدولي الإنساني على الأسلحة الجديدة وبصـورة أعم على اسـتخدام التكنولوجيات الجديدة فـي الحروب، كما أن الوسائل والتكنولوجيات الجديدة تطرح أسئلة قانونية وعملية، ولعل الحرب السـيبرانية قـد فتحت مسـرح عمليـات حربيـة مختلف تمامـا ويحتـاج إلى تنظيم قانوني، بالإضافة إلي الأسلحة ذاتية التشغيل أو الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد.
كل ما سبق أدى إلى التشكيك في قدرة القانون الدولي الإنساني على السيطرة على السلوك البشـري (سلوك الأطراف المتنازعة أو المتصارعة)، خاصـة فـي ظـروف الحـرب المأساوية.
إن التطورات السابقة، بالإضافة إلى الإخفاقات التاريخية والمعاصرة المصاحبة لتطبيق القانون الدولي الإنساني تجعلنا نتخوف من أن يظـل القانون الدولي الإنساني مجرد شعارات أو منفصلاً عـن الواقـع الـذي يجـب أن يطبـق عليـه، أو عدم محققاً للهدف الأساسي الذي وُضع من أجله وهو “الحد من تبعات الحرب”.
لقد كشفت الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة ارتباكاً في المجتمع الدولي وصل لحد الفوضى القانونية في محاولة لتطبيق القانون الدولي الإنساني في حرب غير متكافئة ولها تبعات وتكلفة إنسانية باهظة ومرئية.
وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل ” هل المجتمع الدولي في حاجة إلى وضع قانون دولي إنساني آخر أكثر إلزاماً أم أن هذا النوع من القوانين أصبح مجرد أداة تجميلية لنظام ومجتمع دولي لا إنساني”؟