01:07 م
الأربعاء 12 يوليه 2023
كتب- محمد غايات:
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عدداً جديداً من مجلته الدورية “آفاق اقتصادية معاصرة”، وهي مجلة يصدرها شهريًّا لتقدم إطلالة على الآراء الاقتصادية المختلفة – لأبرز الخبراء والمحللين سواء من داخل مصر أو من خارجها- والتي تشغل الدوائر الاقتصادية؛ وذلك لتقديم رؤى اقتصادية متكاملة لأهم الموضوعات المطروحة على الساحة، واستعراضًا لأبرز المؤشرات المحلية والدولية، مع التركيز على موضوع محدد في كل عدد، وفي هذا العدد تناول المركز موضوع “اقتصادات العمل”.
تضمن العدد مجموعة متنوعة من المقالات والتحليلات التي تغطي مختلف موضوعات “اقتصادات العمل”، كما استعرض في الإطار النظري المفاهيم المرتبطة باقتصادات العمل، والمؤشرات والخبرات المتميزة على المستويين المحلي والدولي، واختتم بالتوقعات المستقبلية، والمؤشرات الاقتصادية المحلية.
تضمن العدد مقالات عديدة للرأي تناول أحدها “ديناميكيات أسواق العمل: المحددات والآفاق المستقبلية” والذي أشار إلى محددات الطلب على العمل في المدارس الاقتصادية، وأهم التغيرات الديناميكية في سوق العمل، والآفاق المستقبلية لأسواق العمل عالميًا، حيث تحظى سوق العمل بأهمية خاصة في الدراسات الاقتصادية نظرًا لكونها إحدى القنوات الرئيسة التي تنتقل منها الأزمات والمشكلات الاقتصادية إلى القطاع العائلي في المجتمع، وتتكون سوق العمل من جانبين الأول يمثل عرض العمل وأهم العوامل المؤثرة فيه النظام التعليمي والتدريب وإعادة التأهيل، كما يشكل الطلب على العمل الجانب الآخر للسوق والذي يتكون من مجموعة المؤسسات والجهات التي تقدم فرصًا للتوظيف، وحتى يتحقق التوازن في سوق العمل يتطلب الأمر تساوي الطلب على العمل مع المعروض منه، وقد اختلفت المدارس الاقتصادية حول إمكانية تحقيق الوضع التوازني وتنوعت محددات كل من عرض العمل والطلب عليه في المدارس الاقتصادية، وركزت الأدبيات الاقتصادية التي تناولت الطلب على العمل لفترة طويلة على الاقتصاد المغلق والطلب المحلي ومحدداته متجاهلة ديناميكيات الطلب على العمل كالطلب الخارجي والهجرة، بالإضافة إلى عدم التفرقة بين محددات الطلب على العمل في الأجل القصير والطويل.
وقدم المقال مجموعة من المقترحات لتعزيز كفاءة سوق العمل حيث يتحتم التحول نحو مفهوم سوق العمل الشاملة وهي سوق عمل تسمح وتشجع جميع الأشخاص في سن العمل على المشاركة في عمل مدفوع الأجر وتوفر إطارًا لتنمية مهارتهم، وتتسم أيضًا بالمرونة والقدرة على التكيف بسرعة ومواءمة مع التغيرات المختلفة حتى يتمكن العمال والشركات من إدارة الانتقال بأقل قدر ممكن من الخسائر مع تعظيم الفوائد.
وهناك مجموعة مضافة من السياسات المطلوبة لتنمية المهارات لتتوافق مع أهداف التنمية المستدامة وهي، “بناء المهارات والقدرات للعاملين في الاقتصاد الرسمي والشركات بحيث تتوافق مع التحولات التكنولوجية”، “التحول نحو ريادة الأعمال والمشروعات الرائدة وتوفير التمويل اللازم لها على المستوى الجزئي Microfinance”، “وزيادة الوعي لدى متخذي القرار والقطاع الرسمي وغير الرسمي بأهمية التدريب وإعادة التأهيل لمواكبة متطلبات الوظائف الجديدة”، “وزيادة قدرات التعليم الرسمي ومؤسسات التدريب بحيث تكون قادرة على إكساب خريجي هذه المراحل القدرة على الاندماج في سوق العمل ومتطلباتها الديناميكية”، “وتبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تحقق تحولًا في أسواق العمل، وتخلق وظائف جديدة، وتجعل أسواق العمل أكثر ابتكارًا وعالمية من خلال ثلاثة توجهات تدفع في اتجاه هذا التحول وهي 1-زيادة الربط الشبكي وزيادة نسبة استخدام الهواتف المحمولة بين السكان، 2-تعزيز قدرات العمل عن بعد، وتعهيد العمل والتحول نحو العمل باستخدام المنصات الرقمية، 3-عولمة المهارات بتوفير المهارات التي تلقى طلبًا عالميًا.
كما تضمن العدد مقالًا بعنوان “التحول نحو الوظائف الخضراء كأحد ركائز التنمية المستدامة”، والذي أوضح أن الوظائف الخضراء هي تلك الوظائف التي تساعد على تقليل الآثار البيئية السلبية؛ مما يؤدي في النهاية إلى الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وبتعبير أكثر دقة هي الوظائف اللائقة التي تحقق في الوقت ذاته “تقليل استهلاك الطاقة والمواد الخام، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتقليل من الهدر والتلوث، وحماية واستعادة النظم البيئية”.
والوظائف الخضراء يمكن إيجادها وخلقها في منطقة واسعة من القطاعات، وتشمل جميع مستويات المهارات، من المهندسين والتقنيين إلى العمال ذوي الياقات الزرقاء، وبناءً عليه تم النظر إلى التحول نحو هذه الوظائف كونه أحد العوامل التمكينية الأساسية لتحقيق التحولات الخضراء، الداعمة لتعزيز الأهداف الأممية الطموحة، ومن ثم ضمان معايير الاستدامة في أبعادها المختلفة.
وتجدر الإشارة إلى وجود علاقات جدلية ومتبادلة بين كل من السياسات الخضراء والنمو الاقتصادي والتوظيف، ومن ثم لابد أن تركز حزمة السياسات الخضراء على أسواق العمل من خلال استهداف معالجة القنوات التي يمكن من خلالها تحفيز مستويات التوظيف، وبصفة عامة تم تحديد عدد من القطاعات والتي تم اعتبارها ذات إمكانية للتحول نحو الوظائف الخضراء تتمثل في “البناء المستدام، الزراعة العضوية، الطاقة المتجددة، الأنشطة الحكومية، الصناعات النظيفة، النقل العام، ومشروعات إعادة التدوير وإدارة المخلفات”.
فعلى سبيل المثال، يميل اتجاه الطلب على العمال في الزراعة العضوية أكثر من ممارسات الزراعة التقليدية حيث يخلق إنتاج وتصنيع المنتجات العضوية وظائف أكثر بنسبة 21% مقارنًة بالإنتاج التقليدي في الولايات المتحدة، وتتطلب المزارع العضوية عمالة أكثر بنسبة 32% كمتوسط من المزارع التقليدية في المملكة المتحدة وأيرلندا، كما توفر الصناعات في قطاعات مثل إدارة ومراقبة التلوث وجميع النفايات ومعالجتها وإعادة تدويرها ما يقرب من 3.5 ملايين وظيفة في الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا توظف صناعة إعادة التدوير في الاتحاد الأوروبي نحو 1.8 مليون شخص، ومن خلال زيادة معدل إعادة التدوير من 50% إلى 70%، يمكن خلق ما يصل إلى 322 ألف فرصة عمل مباشرة مع الأخذ في الاعتبار الوظائف الأخرى غير المباشرة والمستحدثة، وبالتالي يمكن خلق ما يصل إلى 550 ألف وظيفة إجمالية في الاتحاد الأوروبي.
وقدم المقال حزمة من السياسات التي تسعى لتسهيل عملية انتقال العمالة نحو الوظائف الخضراء بالتركيز على السياسات الكلية كما يلي، “إعادة تخصيص الاستثمار نحو البحث والتطوير ودفع البنية التحتية الخضراء الأولية”، “واستخدام السياسة المالية كأداة فاعلة في تحقيق نتائج توظيف عامة إيجابية من التحولات الخضراء، فمن ناحية يتم فرض زيادة تدريجية في الضريبة مما يرفع السعر النسبي للسلع الأكثر كثافة في الانبعاثات ويحفز النمو في القطاعات الأقل كثافة، ومن ناحية أخرى يتم خفض الضرائب المستحقة على العمال ذوي الدخل المنخفض ويتم تعويض هذا الخفض من خلال تأثير ضريبة الكربون”، “وأهمية صياغة سياسات سوق العمل التي تساعد في تعزيز قدرة العمال على العثور على الوظائف الخضراء وتقليل حوافز بقائه في وظائف أكثر تلوثًا”، “ومساعدة العمال على اكتساب المهارات المطلوبة وأن يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة”.
وأشار المقال إلى سعي الحكومة المصرية نحو تعزيز جهود التحولات الخضراء وذلك من خلال إعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين بمشاركة قطاعات الدولة ذات الصلة، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقات لمشروعات الهيدروجين الأخضر بقيمة 85 مليار دولار خلال مؤتمر “كوب 27” والتي ستحتاج إلى نحو 40 جيجاوات من الطاقة الخضراء لتشغيلها، الأمر الذي يزيد من حتمية التحول نحو الوظائف الخضراء في الاقتصاد المصري بما يضمن معايير الاستدامة.
وتناول العدد مقالًا بعنوان “تأثير الاستثمار في رأس المال البشري على اقتصادات العمل”، حيث تستهدف الدولة تبني سياسات اقتصاد سوق منضبطة تتميز باستقرار أوضاع الاقتصاد، وقادرة على تحقيق نمو مستدام يمتاز بالتنافسية والتنوع يعتمد على المعرفة، قادرة على التكيف مع المتغيرات العالمية، وتعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص عمل لائق، وصولًا لتحقيق التوازن بين الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، تحقيقًا للهدف الثامن من الرؤية التنموية وأجندة التنمية المستدامة “العمل اللائق ونمو الاقتصاد – تعزيز النمو الاقتصادي المطرد، والشامل للجميع والمستدام والعمالة الكاملة والمنتجة وتوفير العمل اللائق للجميع”، والهدف السابع عشر “عقد الشراكات لتحقيق الأهداف – تعزيز وسائل تنفيذ الشراكة العالمية وتنشيطها من أجل التنمية المستدامة”، وذلك في ضوء سياسات تمكينيه تستهدف تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية الاقتصادية، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري والارتقاء بمستوى الإبداع والابتكار وتعزيز التعاون الإقليمي والعالمي والشراكات الفعالة لتنفيذ بناء القدرات واتساق السياسات والمؤسسات التي تدعم استقرار اقتصاد العمل.
وأكد المقال أن تحليل اقتصادات سوق العمل ضروري للتوصل إلى استنتاجات تتعلق بسوق العمل حيث يساعد في تحديد الطلب والعرض في السوق والعوامل التي تؤثر على القوى العاملة ورأس المال البشري مثله مثل أي أصل آخر ليس بمنأى عن الاستهلاك وغالبًا ما يتم قياس ذلك بالأجور أو القدرة على البقاء في القوى العاملة أو القدرة على مواكبة الابتكار، وبالتالي قد تنخفض قيمة رأس المال البشري للفرد إذا لم يتمكن من تبني تقنيات جديدة لتحسين جودة و مستوى الإنتاج، مما يتطلب استثمارًا في التعليم والتدريب ومهارات الاتصال ومهارات حل المشكلات والصحة العقلية والنفسية والمهارات الشخصية.
كما تضمن العدد مقالًا بعنوان “محددات الطلب على العمل وتحديات سوق العمل في مصر”، حيث يواجه سوق العمل في مصر تحديات، ولكن يظل أمامها فرص جيدة للنمو والتحسن إذا ما تم الاهتمام بالتحديات التي تواجهها مثل “البطالة والعمالة غير الرسمية، الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل”، ومن أبرز سبل التغلب على التحديات التي تواجه سوق العمل المصري الاهتمام بالآتي “زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات مقبولة ومتزايدة، دعم ريادة الأعمال، العمل على فتح أسواق جديدة، الاهتمام بالتعليم والتدريب، تحفيز الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، توفير برامج تمويلية وائتمانية، توفير بيئة استثمارية جاذبة”.
وتناول العدد مقالًا بعنوان “أثر النمو الاقتصادي على اقتصادات العمل”، والذى أوضح ضرورة تطوير الخطط والاستراتيجيات من النمو الاقتصادي إلى التنمية الاقتصادية المستدامة التي تؤثر بالإيجاب على اقتصادات العمل عبر الاستمرار في توجيه الاستثمارات إلى أنشطة اقتصادية تتصف باستخدام كثيف للعمالة مثل “الزراعة والتشييد والبناء والمنسوجات” مع إعطاء الأولوية إلى محافظات الصعيد إلى جانب توجيه أيضًا الإنفاق الاستهلاكي إلى أنشطة اقتصادية كثيفة استخدام العمالة من خلال اتجاه جزء من الاحتياجات الحكومية إلى منتجات المشروعات الصغيرة.
وقد استعرض العدد كذلك أبرز توجهات وتناول الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء والمنظمات العالمية للموضوعات المتعلقة بمستقبل التوظيف في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي حيث يتوقع تقرير منظمة العمل الدولية للعمالة والتوقعات الاجتماعية أن نمو العمالة العالمية سيكون 1% فقط في عام 2023، أي أقل من نصف المستوى الذي شهده عام 2022، وقد هيمنت عمليات التسريح الجماعي للعمال على عناوين الأخبار في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يكون العاملون في خدمات تكنولوجيا المعلومات أكثر عرضة لخطر فقدان وظائفهم في الأشهر القليلة المقبلة وفقاً لمؤشر “مخاطر فقدان الوظيفة”، ومن أبرز الشركات التي أعلنت عن اعتزامها تخفيض الوظائف في بداية 2023 سواء تكنولوجية أو غيرها “ميتا، جوجل، ميكروسوفت، DELL H، أمازون، زوم، فورد موتورز، ماكدونالدز، جولد مان ساكس، ماكينزي”، -وقد أشار العدد إلى التوقعات المستقبلية بشأن اقتصادات العمل حيث من المتوقع اختفاء 85 مليون وظيفة في السنوات الخمس المقبلة بسبب انتشار الأتمتة في مجالات العمل،- وعلى الرغم من العناوين الرئيسة فإن قادة الموارد البشرية لا يزالون متفائلين بشأن تعيين العمال والاحتفاظ بهم في الأشهر المقبلة.
وقد سلطَّ العدد الضوء على أبرز الخبرات الدولية في مجال توظيف المواهب بدول “سويسرا، سنغافورة، السويد، كما استعرض العدد المفاهيم والنظريات ودور الدول حول اقتصادات العمل، ويمكن القول إن فهم العلاقة بين العمل والاقتصاد يعتبر أمرًا حاسما لفهم كيفية تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين حياة العمال، ولأن سوق العمل تتأثر بعدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فإن التركيز على حماية العمال والعمـل علـى تحسين الأجور والظروف العامة المحيطة لبيئة العمل يمثل أهمية كبيرة لتحسين الحياة المهنية والاقتصادية للفرد والمجتمع بشكل عام. وبالتالي، يتطلب تحقيق تلك الأهداف تفهم دور الدولة في تنظيم سوق العمل وتعزيز حقوق العمال ومنع الاستغلال وتوفير فرص العمل وتحسين المستويات الاقتصادية والاجتماعية للعمال والمجتمع، وعليه يمكن القول إن دراسة اقتصادات العمل هـي علـم حيوي يساعد على فهم وتحسين سوق العمل وتعزيز الحماية والحقوق للعمال وتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.