10:43 ص
الخميس 14 نوفمبر 2024
واشنطن – (د ب أ)
مع تزايد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.
وأصبح هناك تحول في موازين القوى يضع واشنطن أمام تحديات تتطلب إعادة تقييم استراتيجيتها الدولية، خاصة مع تزايد نفوذ الصين وروسيا وسعي دول الجنوب العالمي للبحث عن بدائل اقتصادية وسياسية بعيدا عن الهيمنة الغربية.
ويقول الباحث والمحلل الأمريكي آدم جالاجر، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، إنه بينما التقى قادة مجموعة “بريكس بلاس” للاقتصادات الناشئة في مدينة قازان الروسية الشهر الماضي، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط للمرة الحادية عشرة منذ 7 أكتوبر 2023.
وتبرز رمزية ذلك بوضوح، ففي الوقت الذي تنغمس فيه الولايات المتحدة في صراع جديد في الشرق الأوسط، مما يُضعف مصداقيتها وقيادتها العالمية، تعمل كل من الصين وروسيا على بناء بدائل للهياكل المالية والأمنية التي تقودها واشنطن.
وتحظى مجموعة “بريكس بلاس” بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم، فقد استقبلت مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات في بداية عام 2024، وأضافت ثلاث عشرة دولة شريكة جديدة في قمة قازان، كما أعربت عشرات الدول الأخرى عن اهتمامها بالانضمام.
ومع احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، ينبغي على واشنطن دراسة الدوافع التي تجذب الدول نحو “بريكس بلاس”، والتي ترغب بكين وموسكو في ترويجها كمجموعة مناهضة للغرب.
وأشار جالاجر، إلى أن الأخبار الجيدة لواشنطن هي أن دول “بريكس بلاس” الأخرى والدول التي تتقدم للانضمام لا تنظر إلى المجموعة بهذه الطريقة حتى الآن؛ فالبرازيل والهند، وهما من الدول المؤسسة، تريان في “بريكس بلاس” وسيلة لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام الدولي الحالي وإجراء تغييرات تجعل النظام أكثر قدرة على مواجهة التحديات العالمية الحالية، ولا تريان في المجموعة جزءا من استراتيجية “البقية ضد الغرب”.
وفي الواقع، تُفضل العديد من دول الجنوب العالمي الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، لكنها ترغب أيضا في الانضمام إلى “بريكس بلاس”، ومع ذلك، قد يتغير هذا التوجه إذا لم تأخذ واشنطن عالمية التعددية القطبية بجدية.
وترى دول الجنوب العالمي أن النظام “القائم على القواعد” بقيادة الولايات المتحدة يتفكك من الداخل، ويبرز ذلك بشكل واضح من خلال مواقف واشنطن المتباينة تجاه الحربين في أوكرانيا وغزة، وبالنسبة لهذه الدول، يُعتبر النظام الذي تقوده الولايات المتحدة لعبة غير عادلة، حيث يتم تطبيق القوانين والمعايير الدولية بما يخدم مصالح الغرب.
ومن القضايا الرئيسية الأخرى التي تشغل دول “بريكس بلاس” ودول الجنوب العالمي هيمنة واشنطن على الهيكل المالي العالمي واستخدامها الواسع للعقوبات.
وقد حددت روسيا جدول أعمال قمة هذا العام ليشمل التركيز بشكل كبير على تجاوز سلطة الدولار الأمريكي، وعزل نفسها والدول الأخرى عن العقوبات الغربية، وبناء هياكل مالية بديلة، وقال بوتين في القمة: “ليس نحن من يرفض استخدام الدولار، لكن إذا لم يسمحوا لنا بالعمل، ماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن مضطرون للبحث عن بدائل”.
ويقول جالاجر إن ما يقرب من ربع دول العالم، بما يمثل قرابة 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يخضع للعقوبات الأمريكية.
وأورد تقرير في صحيفة واشنطن بوست هذا العام كيف أن العقوبات الأمريكية أطلقت العنان “لحرب اقتصادية في جميع أنحاء العالم”، وبالتأكيد يجب أن تواجه دول مثل روسيا عواقب لانتهاكاتها للقانون الدولي، لكن المشكلة أن هذه العقوبات غالبا ما تكون عكسية التأثير.
فعلى سبيل المثال، أدت العقوبات على فنزويلا إلى زيادة الهجرة وسعي مزيد من الفنزويليين لدخول الولايات المتحدة، كما دفعت دولا مثل الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية إلى إنشاء ما وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بـ “اقتصاد الظل العالمي” للتهرب من هذه العقوبات بطرق قد تقوض الدولار الأمريكي بشكل متزايد.
ويضيف جالاجر أنه يجب أن يُثير البيان المشترك الصادر عن القمة قلق صناع السياسة الأمريكيين، حيث دعا إلى إصلاح النظام المالي العالمي، وإنشاء منصة استثمارية جديدة لمجموعة “بريكس بلاس” واستكشاف بدائل لأنظمة الدفع عبر الحدود الغربية مثل “سويفت”.
وقد أحرزت “بريكس بلاس” بالفعل خطوات كبيرة في تقليل استخدام الدولار في التجارة بين الدول الأعضاء في المجموعة، وقادت الصين هذا المسار، حيث تجاوز اليوان الصيني الدولار في التجارة بين الصين وروسيا، كما تتفاوض بكين على زيادة استخدام اليوان في تسوية معاملات النفط مع منتجين رئيسيين، وتقوم بالتخلص من الأصول بالدولار الأمريكي وشراء مستويات قياسية من الذهب.
وقد يستغرق إنهاء الاعتماد على الدولار وقتا طويلا لتحقيقه بالكامل، ومع ذلك، وبالنظر إلى التأثيرات العميقة لذلك على مصالح الولايات المتحدة، يجب على واضعي السياسات الأمريكيين الانتباه إلى هذه القضية بعناية.
ويؤكد جالاجر، أن الدور المهيمن للدولار كعملة احتياطية وفي تجارة السلع العالمية يمنح الولايات المتحدة وشعبها ما يسمى بـ”الامتيازات الباهظة”، ولا يمنح هذا الولايات المتحدة نفوذا هائلا في العلاقات الدولية فحسب، بل يعني أيضا أن الأمريكيين يتمتعون بتكاليف اقتراض أقل، وإمكانية الوصول إلى واردات رخيصة، ومستوى معيشة أعلى بشكل عام.
وغالبا ما يشير منتقدو مجموعة “بريكس بلاس” إلى أن المجموعة لم تحقق إنجازات كبيرة بعد، لكن هذا لا يعني أن المجموعة ليست ذات أهمية متزايدة، حتى وإن كانت في الوقت الحالي ذات طابع رمزي فقط.
ويمكن لواشنطن العمل مع الدول الشريكة في “بريكس بلاس” لإبطاء تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة التي تسعى الصين وروسيا إلى تأجيجها، وينبغي لواشنطن أن تنظر في الأسباب التي تدفع العديد من العواصم للبحث عن بدائل للقيادة الأمريكية، وخاصة الدولار الأمريكي، وأن تسعى لمعالجة تلك المخاوف حينما تتقاطع المصالح المشتركة.
ويقول جالاجر إن الوقت حان لأن تدرك واشنطن أن اللحظة الأحادية القطبية التي تلت الحرب الباردة قد انتهت، وأن التحديات العالمية اليوم، من تغير المناخ إلى الأوبئة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي، تتطلب تعاونا دوليا وليس تعاونا غربيا فحسب.
ومع انهيار النظام متعدد الأطراف وتزايد التوترات الجيوسياسية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تفكر بجدية في كيفية التعامل مع عالم متعدد الأقطاب اليوم.
ويمكن للقادة الأمريكيين أن يبدأوا بالنظر في ما لا يجدي نفعا، مثل السعي المتزايد نحو الهيمنة والاعتماد المفرط على العقوبات والمعايير المزدوجة التي تتبعها فيما يتعلق بالقوانين والمعايير الدولية، واستخدام ذلك كخارطة طريق لإعادة تشكيل نهجها في الشؤون الدولية، هذا هو الأفضل للعالم وهو أيضا الأفضل للأمريكيين.