01:23 م
الأربعاء 01 مايو 2024
بيروت – (بي بي سي)
على حافة حفرة عميقة من الركام، وبينما كنت أنظر إلى فراش ممزق في أسفلها، حاولتُ تخيّل شكل المبنى ذي الطابقين عندما قائما هنا قبل أيام فقط.
“نسمّي هذه البقعة “حوض السباحة”، هكذا قال لي أحد الجنود اللبنانيين الذين كانوا يرافقوننا في بلدة يارين الحدودية.
تكرّر المشهد في كل بلدة زرناها: مبان سوّيت بالأرض، تحيط بها محال ومنازل تضررت بشكل بالغ، وأخرى لم تتعرض لأي قصف ثم تظهر أخرى مدمرة بالكامل.
على الطريق العام في علما الشعب، توقفنا أمام ما كان فيلا فخمة، رُكنت في باحتها سيارة باتت مفحّمة.
لم يبق من هذه الفيلا سوى كومة من الحطام المسوّر ببوابات من حديد.
تواصلنا مع مالكها الذي يدعى نديم صياح، والذي يبلغ اليوم 75 عاما، وقد قضى معظم حياته في هذه الفيلا التي كانت تبلغ من العمر نصف القرن تقريبا.
“نحن ندفع ثمن ما يحصل”، تحدث إلي صيّاح بحسرة.
أخبرنا أنه دأب على ترك الأضواء مشعّة في الفيلا منذ تركها بسبب الأحداث، أملا بأن يقيها المصير الذي حلّ بها.
“خسرتُ كل شيء، البيت والمقتنيات والسيارات. ولكني سأعود حالما تسمح الظروف حتى ولو اقتضى ذلك أن أعيش في خيمة على أرضي”.
بينما كنا نصوّر حجم الدمار، قال لي جندي لبناني: “صاروخ واحد فعل كل هذا”.
منذ أن فتح حزب الله الجبهة في الجنوب بقصف مواقع عسكرية إسرائيلية في الثامن من أكتوبر، إسنادا لغزة، باتت الهجمات المدفعية والغارات الإسرائيلية على القرى الحدودية تتكرر يوميا في أكثر من مكان ولمرات عدة.
وتحول الوضع في جنوبي لبنان وشمالي إسرائيل إلى ساحة استهدافات متبادلة تشهد تصعيدا تدريجيا.
ومع تزايد وتيرة العنف وتوسّعها، بات من الخطر الشديد زيارة المناطق الحدودية، حتى بالنسبة للإعلاميين.
وقد تفاقم الخطر بعد مقتل ثلاثة صحفيين في بداية الاستهدافات.
واتهمت الدولة اللبنانية والمؤسسات الإعلامية التي قُتل صحافييها إسرائيل بقتلهم، لكن إسرائيل تقول إنها لا تستهدف الصحفيين.
في ظل هذا المستوى من الخطر، بدا الخيار الأكثر أمانا للقيام بجولة في تلك القرى هو مرافقة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوبي البلاد.
وكان كثيرون، قبل أشهر فقط، يشيدون بهذه القوات لأنها تُشرف على أطول فترة هدوء بين لبنان وإسرائيل منذ حرب تموز 2006 ثم انهار كل شيء.
وبينما كنا نهمّ بمغادرة موقع تصوير الحفرة في يارين، ظهرت غيمة سوداء كثيفة، إذ قصفت إسرائيل موقعا محاذيا دون أن نعرف ما الذي استهدفته بالضبط.
فالجيش الإسرائيلي يقول إنه يستهدف مقاتلي حزب الله وبنيته التحتية .
لكنّ مسؤولين لبنانيين، كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يتهمونه بانتهاج تكتيك الأرض المحروقة في جنوبي لبنان.
وبينما كنا نتجوّل بين قرية وأخرى في سيارة الأمم المتحدة المصفّحة، بدت كل المنطقة مهجورة بالكامل.
وتقول منظمة الهجرة العالمية، إن أكثر من تسعين ألف شخص من جنوبي لبنان قد نزحوا، بينما تقول إسرائيل إنها أجلت نحو ثمانين ألف من سكان الشمال.
“لا يزال منزلنا واقفا، لكنه تضرّر كثيرا بالقصف”، يقول لي حسين جواد الذي نزح من عيتا الشعب في التاسع من أكتوبر الماضي.
كان يعمل جواد، الأب لسبعة أولاد، في مجال البناء، لكنه أضحى اليوم بلا عمل بينما تعد بلدته، الواقعة على الحدود، الأكثر تضررا بالقصف في الجنوب اللبناني.
من حيث يقيم الآن في إحدى ضواحي بيروت، استرجعنا معه مشاهد من بلدته صوّرناها قبل أشهر.
“هذا المنزل دُمّر بالكامل”، قال وهو يدلّ على مبنى من طبقتين “هذا الآخر سُوّي بالأرض، هذه المحال كلها دُمّرت”.
المرة الأخيرة التي غامر فيها حسين بزيارة بلدته، كانت قبل أسابيع للمشاركة في مراسم تشييع قريب له.
أما الآن فيحصل على أخبار بلدته ومنزله من عناصر الدفاع المدني الموجودين فيها أو من المختار الذي لم يغادرها.
وبحسب مشروع البيانات في مواقع النزاعات المسلحة، أكليد، فقد تم رصد أكثر من 5400 هجوم عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، أكثر من ثمانين في المائة منها شنّها الجيش الإسرائيلي.
وبالعودة إلى الدورية في جنوبي لبنان، فقد أصرّ قائد الكتيبة الإيطالية، الكولونيل ألبيرتو سالفادور على أن دور قوات حفظ السلام هناك لا يزال مهما، بالرغم من التصعيد العسكري المتواصل منذ سبعة أشهر.
“ما نشهده هو أن الناس على جانبي الحدود متعبون جدا وقد حان الوقت للسلام. التحدي المستقبلي بالنسبة لنا هو في مساعدة سكان البلدات الجنوبية للعودة إليها”.
إلا أنه لا يوجد مؤشر حتى اللحظة بأن ذلك قد يحصل في أي وقت قريب.