12:09 ص
الإثنين 28 أكتوبر 2024
الإسكندرية – محمد البدري:
في قلب مدينة الإسكندرية، وتحديدًا في منطقة محطة الرمل، انطلقت تجربة فريدة من نوعها تهدف إلى إعادة إحياء الروابط بين المزارعين المحليين والمستهلكين.
سوق اليوم الواحد للمزارعين، الذي يُقام لأول مرة في مصر، يجمع بين عبق الماضي ونبض الحاضر، حيث تتناثر أكشاك المزارعين المزينة بألوان الفواكه والخضروات الطازجة، لتخلق لوحة فنية تعكس جمال الطبيعة وسخاء الأرض.
في هذا السوق، لا يقتصر الأمر على بيع المنتجات الزراعية فحسب، بل يتعداه إلى بناء جسور من الثقة والتواصل المباشر بين المنتج والمستهلك. هنا، يمكن للزائرين التحدث مع المزارعين، والاستماع إلى قصصهم، ومعرفة المزيد عن طرق الزراعة المستدامة التي يتبعونها، إلى جانب كونها تجربة تسويقية مبتكرة تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز مفهوم الاستدامة.
ما يميز هذا السوق أيضًا هو الطابع الأوروبي الجميل الذي يضفيه على تجربة التسوق، حيث تشبه منافذ البيع فيه أسوواق الخضر والفاكهة الأوروبية، مما يضفي لمسة من الأناقة والتنظيم على هذا النموذج المصري الفريد.
في جولة مصراوي في هذا السوق المميز، التقينا بعدد من المشاركين واستمعنا إلى تجاربهم وآرائهم حول هذه المبادرة الرائدة.
يقول شعبان زيدان، مزارع مشارك، إن سوق اليوم الواحد يُعتبر تجربة فريدة من نوعها بالنسبة للمزارع والمستهلك، حيث تم توفير كافة المنتجات الزراعية من الخضروات والفاكهة وغيرها بتكلفة منخفضة بعد اجتياز الحلقات الوسيطة بين المزارع والمستهلك ليكون البيع بين الطرفين بشكل مباشر.
وأشار إلى أن تلك التجربة تأتي بدعم مباشر من الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية وبتعاون مع الجهات المختصة بالشؤون الزراعية في إيطاليا، والتي نقلت خبرات التجربة لمصر لتظهر سوقًا مصريًا بطابع أوروبي.
وفي تصريح آخر، أعرب سعيد محمد، مزارع يبيع الخضروات، عن تقديره الكبير لسوق المزارعين. وأوضح محمد أن السوق يساهم في تقليل التكلفة على المزارعين والمستهلكين على حد سواء، حيث يتم البيع والشراء بدون وسطاء. وأكد أن الأسعار لديه أقل بنصف السعر مقارنة بالأسواق العادية، مما يجعل هذه التجربة مفيدة للجميع.
وأشاد إبراهيم النمر، أحد المشاركين في سوق المزارعين بالإسكندرية، بتجربة سوق اليوم الواحد، واصفًا إياها بأنها فرصة رائدة تتيح للمزارعين وصغار المنتجين عرض منتجاتهم مباشرة للمستهلكين دون وسطاء. وأوضح النمر أنه يشارك بمنتجات متنوعة تشمل عسل النحل من منحل خاص به، ومخبوزات منزلية تعدها والدته وشقيقاته، بالإضافة إلى الليمون من أرضه الزراعية. وأكد أن هذه المشاركة تتيح له تقديم منتجاته بأسعار أقل لعدم وجود وسطاء.
وأضاف النمر أنه تفاجأ بالإقبال الكبير من المستهلكين على السوق، مما دفعه وزملاءه إلى الاستمرار في المشاركة ودعم هذه التجربة.
من جانبها، عبرت سلوى أحمد، ربة منزل، عن سعادتها بالمشاركة في سوق المزارعين، مشيرة إلى أنها تعمل في تصنيع الفطير والمخبوزات منذ عشرين عامًا وتسوق منتجاتها من خلال الجيران والمعارف والمشاركة في المعارض. وأوضحت أحمد أنها وجدت في هذا السوق فرصة لتسويق منتجاتها بطريقة مختلفة، حيث تتميز جميع المنتجات المعروضة بأنها طازجة وبأسعار أقل من الأسواق الأخرى.
وأكدت أحمد أن المشاركة الأسبوعية في سوق المزارعين تمثل فرصة كبيرة لها ولصغار المنتجين لتسويق منتجاتهم.
وفي سياق متصل، شرحت نورهان سليم، التي تشارك بمنتجات منزلية من سعف النخيل، أنها بدأت مشروعها منذ ستة أشهر لتصنيع منتجات منزلية صديقة للبيئة من الخوص. وأشارت إلى أن منتجاتها تشمل أطباقًا كبيرة وصغيرة تصلح لحفظ الخبز، وغيرها من المنتجات المبتكرة. وأضافت سليم أن ما يميز منتجاتها هو أنها صديقة للبيئة وتعتمد على إعادة تدوير سعف النخيل الذي يمكن أن يسبب ضررًا بيئيًا إذا تم حرقه.
وأعربت سليم عن فخرها بالمشاركة في سوق اليوم الواحد، مشيدة بالدعم المقدم من الدولة والغرفة التجارية، والذي شمل التدريب حتى انطلاق السوق بشكل حضاري يضاهي الأسواق الأوروبية.
وكان قد افتتح الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، مشروع “سوق اليوم الواحد للمزارعين والمنتجات الغذائية” في محافظة الإسكندرية، بالتعاون مع وزارات الزراعة، والصناعة، والتعاون الدولي، والاتحاد العام للغرف التجارية.
حضر الافتتاح فرانشيسكو لولوبريجيدا، وزير الزراعة والغابات والسيادة الغذائية الإيطالي، والفريق أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، وأحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، والسفير الإيطالي لدى القاهرة، ميكيلي كواروني، وأحمد صقر، نائب رئيس غرفة الإسكندرية، والدكتور علاء عز، الأمين العام لاتحاد الغرف المصرية والأوروبية، وقيادات وزارة التموين.
وأوضح الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن سوق المزارعين يهدف إلى توفير المنتجات الزراعية مباشرة من الأرض إلى المستهلك بدون وسيط، مما يساهم في توفير منتجات بجودة عالية وأسعار منخفضة. مشيرًا إلى أن السوق سيقام بشكل مستمر وأسبوعي على مدار العام.
من جانبه، أوضح رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية أن المشروع يهدف إلى تخفيف الأعباء على المستهلكين، وتقليل التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتنمية المستدامة. كما يسعى إلى تنشيط المجتمعات الريفية وتوفير سبل العيش لصغار المنتجين والصيادين المحليين، وتعزيز الدور المتعدد الوظائف للزراعة وصيد الأسماك في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويهدف مشروع “سوق اليوم الواحد” إلى توفير منصة تسويقية مؤقتة للمزارعين والمنتجين لعرض وبيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين.
ويمثل السوق فرصة لتجاوز الحلقات الوسيطة في سلسلة التوريد، ما يسهم في خفض أسعار المنتجات الغذائية وتوفيرها بأسعار تنافسية.
هذه المبادرة تُعزز من قدرة المزارعين على الوصول إلى الأسواق بشكل مباشر، وتحقيق أرباح أكبر، كما تدعم المستهلكين بتقديم منتجات طازجة ومضمونة الجودة بأسعار مخفضة.
ويجري تنفيذ المشروع بالتعاون بين محافظة الإسكندرية ووزارات التموين والتجارة الداخلية والتعاون الدولي والزراعة واستصلاح الأراضي والتجارة والصناعة، وبدعم من المعونة الإيطالية والمركز الدولي للدراسات الزراعية لدول البحر الأبيض، واتحاد الزراعة الإيطالي، ومنظمة أسواق المزارعين الإيطالية، والتحالف الدولي لأسواق المزارعين.