05:03 م
الثلاثاء 19 مارس 2024
كتب- محمد صفوت:
تُعد العلاقات بين المغرب والجزائر من أكثر العلاقات تعقيدًا في شمال إفريقيا، فبينما يُفترض أن تُشكل رابطة الأخوة واللغة والتاريخ المشترك أساسًا للتعاون والتكامل، تُخيم على هذه العلاقات أجواء من التوتر والعداء منذ عقود.
وتُشبه حكاية المغرب والجزائر قصة شقيقين متخاصمين، تربطهما رابطة الدم والتاريخ، لكن الخلافات تعكر صفو علاقتهما، فعلى الرغم من أن البلدين يجمعهما الكثير، من لغة مشتركة وتاريخ عريق، إلا أن التوتر يُخيم على علاقتهما فلا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية، التي يؤججها الخطاب الإعلامي السلبي في بعض الأحيان.
وفي أحدث نقاط الخلاف في سلسلة الأزمات بين البلدين، قرر المغرب نزع ملكية عقارات “جزائرية” في العاصمة المغربية لأجل المنفعة العامة لتوسعة مبان إدارية لصالح وزارة الخارجية المغربية.
ونشر المغرب القرار في الجريدة الرسمية المغربية، في عددها 5811 الصادر بتاريخ 13 مارس الجاري، وتضمن القرار نزع ملكية 3 عقارات تعود ملكيتها للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
نددت الجزائر بأشد العبارات بالقرار الغربي، وقالت في بيان لوزارة خارجيتها، إن المغرب دخل في “مرحلة تصعيد جديدة في تصرفاتها الاستفزازية تجاه الجزائر.
واعتبر البيان الجزائري، أن الخطوة المغربية نزع ملكية “مقرات تابعة لسفارة الدولة الجزائرية في المغرب” تشكل انتهاكًا جسيمًا لاحترام وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية لدول ذات سيادة الذي تكرسه القوانين والأعراف الدولية.
وأوضح البيان الجزائري، أن القرار المغربي، يتنافى مع الممارسات الدولية المتحضرة، وينحرف بشكل خطير عن التزامات اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية، التي تفرض عليها احترام وحماية السفارات المتواجدة على ترابها مهما كانت الظروف.
عقود من الخلافات
يُعد نزاع الصحراء الغربية أبرز أسباب التوتر بين البلدين. فبينما يطالب المغرب بسيادة كاملة على هذه المنطقة، تدعم الجزائر جبهة البوليساريو، التي تسعى إلى استقلالها، وأدى هذا النزاع إلى ما يشبه الحرب الباردة بين البلدين، وتوتر دائم على الحدود المشتركة.
ولم يحل النزاع القائم حول الصحراء الغربية التي تعتبرها الأمم المتحدة من “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”، ويسيطر المغرب حاليًا على 80% منها ويعرض منحها حكما ذاتيا ضمن سيادته، بينما تسعى البوليساريو التي تحظ بتأييد جزائري إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير أقرته الأمم المتحدة في عام 1991 عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لكنه لم ينفذ.
ويُنافس المغرب والجزائر على النفوذ في المنطقة المغاربية، خاصة في ظل سعي كل منهما إلى تعزيز دوره كقوة إقليمية. ويتجلى هذا التنافس في العديد من الملفات، مثل دعم الأطراف المتنازعة في ليبيا، ومحاولة التأثير على دول الساحل الأفريقي.
يُؤثر التوتر بين الجزائر والمغرب على استقرار المنطقة بأكملها، فهو يُعيق التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والتنمية، ويُؤدي إلى تصعيد حدة الصراعات في بعض الدول، مثل ليبيا.
وفي 1994، أغلقت الجزائر حدودها البرية مع المغرب، لأسباب تتعلق بالنزاع في الصحراء الغربية، واتهامات متبادلة بالتجسس والتدخل في الشؤون الداخلية، ما أدى إلى عرقلة التبادل التجاري والتعاون الثقافي بين البلدين، وفرض قيود على حركة الأشخاص.
يُساهم الخطاب الإعلامي السائد في البلدين في تأجيج التوتر بين المغرب والجزائر، حيث تُطلق وسائل الإعلام في كلّ بلد تصريحات واتهامات عدائية ضدّ البلد الآخر، مما يُؤدّي إلى خلق جوّ من عدم الثقة والشعور بالعداء.
وفي عام 1963، اندلعت حرب الرمال بين المغرب والجزائر بعد استقلال البلدين مباشرة، وذلك على خلفية نزاع حول حدودهما المشتركة، واستمرت الحرب لعدة أسابيع، وانتهت بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في مدينة وجدة المغربية.
ويساهم الاختلاف في وجهات النظر حول القضايا التاريخية في تأجيج الصراع بين البلدين مثل حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا، فبينما يشيد المغرب بدور الملك الراحل محمد الخامس في دعم الثورة الجزائرية، تُقلل الجزائر من أهمية هذا الدعم.
جرى العديد من المحاولات لحل الأزمة بين المغرب والجزائر، لكنها لم تكلل بالنجاح، ففي عام 2000، وقعت اتفاقية لتشكيل لجنة مشتركة للحدود، لكنها لم تعقد أي اجتماع منذ عام 2004.
وفي عام 2022، أطلق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مبادرة لرأب الصدع بين المغرب والجزائر، بعد أشهر من قطع الأخير علاقاته مع الرباط، لكنها لم تكلل بالنجاح.