04:30 م
الأربعاء 03 يناير 2024
المنيا- جمال محمد:
منذ أيام مضت ويتداول المئات من المصريين صورًا لقصر قديم، يبدو أنه مهجورًا منذ عقود طويلة، ويتخيلون لو أنه قصرًا قادمًا من عالم “ديزني” ذلك العالم الذي تجد فيه كل ما هو جميل وغير موجود في الواقع، إلا أنهم ينتقدون في ذات الوقت حالة القصر الحالية والتي يظهر عليها الإهمال، وإحاطته بزراعات القصب والبوص والمواشي، حتى تحول لذلك القصر الذي كان موجودًا في المسلسل الدرامي “البيت بيتي” شكله مبهر من الخارج، ومخيف من الداخل وتسكنه الأشباح، ولا يعلمون أنه قصر الخواجة “فورتينيه” الذي شهد أيام العز وتجارة الأقطان في عصرها الذهبي.
“مصراوي” يروي في السطور القادمة حكاية القصر منذ تأسيسه، ومعاصرته لعقود تاريخية هامة في مصر، حتى هجره وسوء حالته في الوقت الحالي.
يُعد قصر “فورتنيه” أو قصر عالم ديزني كما يطلق عليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا، من القصور المعروف عنها طابعها المتميز في جنوب محافظة المنيا، بالتحديد في ضواحي مدينة ملوي، فهو واحد من مئات القصور التاريخية التي لازالت موجودة في المحافظة، ولكنها تحولت إلى هيئات حكومية، ومخازن خردة، وأخرى كمحاكم وإدارات فرعية للهيئات المختلفة.
أنشىء قصر الخواجة فورتنيه منذ 108 أعوام، وبالتحديد في عام 1916 لصاحبه الفرنسي أنطونيو فورتنيه، والذي كان يعمل في تجارة القطن، وكان من أشهر تجارها على مستوى صعيد مصر، وقرر حينها بناء القصر في تلك المنطقة الزراعية، نظرًا لاشتهارها بزراعة القطن في عصرها الذهبي في مصر وخاصة في المنيا، وكان يجمع الأقطان من المزارعين، ويأتي بصغار التجار في بيته، ويبدأ في تسويقها كيفما يشاء.
جرى إنشاء القصر على الطراز الإيطالي، وتشتهر محافظة المنيا بوجود العديد من تلك القصور على ذلك الطراز، ويتكون من 3 طوابق على مساحة 250 مترًا تقريبًا، وقبة مميزة تراها من بعيد، تعلوها الإتجاهات الأربعة وكأنها بوصلة تصف اتجاهات الكون، وكانت تحيطه أشجار الفاكهة من كل ناحية، وأشجار اللارنج النادرة.
عاش الخواجه فورتينيه وعائلته أكثر من 37 عامًا في القصر، حتى قامت ثورة 1952 ضد الإنجليز في مصر، وجرى تأميم القصر حينها، وغادر الخواجه وأسرته البلاد وعادوا إلى موطنهم فرنسا، وآل القصر للدولة، وحديقته الكبيرة للإصلاح الزراعي والتي جرى تأجيرها للمزارعين، وبدأت تدخل في الزراعات الأخرى كالقطن والقصب والذرة الشامية فيما بعد، وسقط النخيل الذي كان يحيط بالقصر في كل اتجاه، حتى انتشرت حظائر المواشي في محيطه من كل اتجاه في الوقت الحالي.
دارت الأيام على ذلك القصر، فبعد أن كان شاهدًا على أيام العز والتجارة، استخدم كمعزل لأصحاب الأوبئة في الستينات والسبعينات، وكذلك أصحاب مرض الجزام، حتى بات قصرًا تسكنه الأشباح.
وقال مصدر بإدارة آثار المنيا الجنوبية، – فضل عدم ذكر اسمه – إن القصر رغم حالته الإنشائية الرائعة والتي تعد تحفة معمارية فريدة، إلا أنه يستخدم كمخازن للخردة لوزارة الصحة في المحافظة، وهو مغلق حاليًا ويتم فتحه في أضيق الحدود، حسب احتياج الجهة التي آل إليها، وهذه أزمة العشرات من القصور التاريخية في المحافظة، والتي أصبحت مخازن أو مكاتب حكومية لجهات مختلفة، في حين أنها تعد من أضخم القصور والسرايا التي يصعب تنفيذ مثلها في الوقت الحالي، فضلًا عن خروج تبعية العديد منها من تبيعة الآثار نظرًا للتعديلات التي جرت عليها وافقدتها طابعها، إلا أن المنظر الخارجي لازال يتحدث عن التاريخ.