بي بي سي
مع وصول الفصائل المسلحة السورية إلى مدينة حلب عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، نشرت قنوات الاتصال الخاصة بالفصائل صورًا لرجل ملتحٍ يرتدي ملابس عسكرية يدير الهجوم. هذا الرجل هو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام.
وتزامنًا مع اقتحام قواته لحلب، عاد الجولاني ليكون مصدر نقاشات وجدل داخل سوريا وخارجها، خاصة وأنه يتولى قيادة جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل دول غربية وإسلامية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بصفته رئيسًا لجماعة هيئة تحرير الشام الجهادية، يقود أبو محمد الجولاني الجماعة المتمردة الرئيسية في شمال غرب سوريا، ويسيطر على مناطق شاسعة في محافظة إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحماة المجاورة.
وهذه المنطقة هي موطن لنحو ثلاثة ملايين نازح وهي جيب الفصائل الرئيسي.
بالنسبة لهذا الرجل كان الهجوم المفاجئ الأخير الذي بدأ الأربعاء الماضي الفصل الأكثر إثارة حتى الآن في حياته المهنية كواحد من أهم قادة الحرب الأهلية السورية، ولكن أيضًا الأكثر إثارة للجدل والغموض.
فمن هو أبو محمد الجولاني؟
تتباين التقارير حول اسمه الحقيقي، وتاريخ ومكان ميلاده وسيرته وحتى جنسيته، مما يضفي الكثير من الغموض حول شخصيته.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنه وُلد بين عامي 1975 و1979، فيما تفيد تقارير الإنتربول أنه ولد عام 1975.
وبحسب مقابلته مع شبكة بي بي إس الأمريكية فإن اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، وأما لقبه الذي يشير إلى مرتفعات الجولان فإنه يعكس روابط عائلته بتلك المنطقة.
وقال في تلك المقابلة إنه وُلد في عام 1982 في العاصمة السعودية الرياض حيث عمل والده مهندسًا للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلة الجولاني إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الجولاني ولد في دير الزور بسوريا عام 1981.
ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة المتشدد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
ويُعتقد أنه ارتقى بسرعة في صفوف المنظمة الجهادية، حتى أصبح من المقربين لأبو مصعب الزرقاوي. ثم انتقل إلى لبنان في عام 2006 بعد مقتل الزرقاوي حيث قيل إنه أشرف على تدريب الجماعة المسلحة اللبنانية جند الشام.
كما يُعتقد أنه سافر بعد ذلك إلى العراق مرة أخرى، حيث سُجن من قبل القوات الأمريكية لفترة من الوقت، وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بعد إطلاق سراحه عام 2008.
ووفقًا لمراقبين فقد عاد الجولاني إلى موطنه سوريا في أغسطس من عام 2011 حيث قام بإنشاء فرع لتنظيم القاعدة للانضمام إلى القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن صحيفة السفير اللبنانية كانت قد أشارت إلى أن “البعض يقول إنه عراقي وكان يُدعى الجولاني نسبة إلى حي الجولان في الفلوجة الذي جاء منه”.
ولدى توليه قيادة جبهة النصرة، ذكرت مؤسسة كويليام البحثية البريطانية أن الجولاني لديه “خبرة في العراق”، مما يجعل قيادته لجبهة النصرة “غير متنازع عليها”.
وكما جاء في التقرير أن التفاصيل المتعلقة بالجولاني “سر محفوظ بعناية، لدرجة أن معظم أعضاء جبهة النصرة لا يعرفون زعيمهم”.
وقد اختلفت التقارير أيضًا حول موعد ذهابه للعراق، فبينما هناك تقارير تفيد بأن الجولاني أُطلق سراحه من السجن في سوريا عام 2008 وبعد إطلاق سراحه ذهب إلى العراق وعاد إلى سوريا بعد بدء الانتفاضة في عام 2011، بصفته قائدًا لجبهة النصرة، إلا أن تقارير أخرى تشير إلى أنه توجه للعراق في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للبلاد حيث انضم هناك إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.
وبرز الجولاني خلال فترة نشاطه في العراق تحت إشراف أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق حيث لعب دورًا محوريًا في تسهيل العمليات عبر الحدود، مستفيدًا من أصوله السورية ليكون حلقة وصل بين المقاتلين الأجانب والمتمردين المحليين الذين نفذوا هجمات وعمليات انتحارية.
وفي عام 2010، اعتقلته القوات الأمريكية في العراق واحتجزته في معسكر بوكا، الذي اشتهر بكونه مكانًا خصبًا لتطور الأيديولوجيات المتطرفة.
وعززت هذه الفترة اتصالاته بشبكات الجهاديين، بما في ذلك قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المستقبليين، وقد أمضى عدة سنوات في السجون العسكرية الأمريكية.
وهكذا تتضارب التقارير حول كل ما يتعلق بالجولاني إلا أنه من المؤكد أن سنوات الجولاني الأولى تزامنت مع حكم نظام البعث في سوريا في فترة تم فيها كبح أي فصائل سياسية حقيقية وشهدت مواجهات بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين.
سوريا والانفصال عن القاعدة
مع تحول الانتفاضة السورية إلى نزاع مسلح في عام 2011، عاد الجولاني إلى سوريا بتكليف من أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش لإنشاء فرع سوري للتنظيم، حيث أسس جبهة النصرة في يناير من عام 2012. وهكذا بدأت جبهة النصرة في التشكل كفرع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
ولكن عندما أعلن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أبو بكر البغدادي الاندماج مع جبهة النصرة في عام 2013، رفض الجولاني ذلك وأعلن الولاء لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وسرعان ما اكتسبت جبهة النصرة زخمًا عسكريًا مع تحقيقها مكاسب ميدانية.
وفي يوليو 2016، أعلن الجولاني أن مجموعته قطعت علاقاتها بتنظيم القاعدة، وستُعرف من الآن فصاعدًا باسم جبهة فتح الشام.
وفي 2017، أعاد هيكلة التنظيم ليصبح هيئة تحرير الشام، وهي ائتلاف من الفصائل الإسلامية بقيادة الجولاني. وعلى الرغم من الحفاظ على الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة، سعت الهيئة لتقديم صورة أكثر براغماتية تركز على الحكم المحلي والدبلوماسية بدلًا من الجهاد العابر للحدود.
في عام 2021، قال الجولاني لشبكة بي بي إس الأمريكية إنه تخلى عن أهداف القاعدة في الجهاد العالمي، ويركز الآن فقط على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وإرساء الحكم الإسلامي في سوريا.
وأكد قائلا: “كانت شراكتنا مع القاعدة أمرًا من الماضي، كانت حقبة وانتهت”.
وأضاف قائلًا: “إنه حتى في ذلك الوقت عندما كنا مع القاعدة، كنا ضد الهجمات الخارجية وكان من المخالف تمامًا لسياساتنا تنفيذ عمليات خارجية من سوريا لاستهداف الأوروبيين أو الأمريكيين، لم يكن هذا جزءًا من حساباتنا على الإطلاق، ولم نفعل ذلك على الإطلاق”.
وفي المقابلة، قال إن تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية أمر “غير عادل” و”سياسيً”.
إدلب
ويتسم أسلوب الجولاني القيادي بالقدرة على التكيف مع الظروف. ففي البداية، كان متجذرًا في أيديولوجيا القاعدة، لكنه تحول تدريجيًا نحو أجندة أكثر محلية.
وتحت قيادته، أقامت هيئة تحرير الشام حكمًا مستندًا إلى تفسير متشدد للشريعة الإسلامية في إدلب، وأسست محاكم وقوات شرطة وهيئات إدارية.
وبصفته زعيم هيئة تحرير الشام، يتمتع الجولاني بنفوذ كبير في إدلب، آخر معقل رئيسي للفصائل في سوريا، وتُعد إدلب منطقة ذات أهمية استراتيجية بسبب قربها من الحدود التركية، مما يجعلها نقطة تركيز للقوى الإقليمية والدولية.
وأثبت الجولاني قدرته على الموازنة بين العمليات العسكرية والمفاوضات الدبلوماسية والإدارة المحلية، ما جعله شخصية محورية في الصراع السوري.
وخلال ما يقرب من عقد من الانقسامات والاندماجات وإعادة التسمية، حاول تصوير نفسه على أنه براغماتي باتت علاقته بتنظيم القاعدة شيئا من الماضي.
في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، تُدير المجموعة ذراعًا إدارية تُعرف باسم حكومة الإنقاذ، تتولى مسؤولية إدارة الخدمات العامة مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن الداخلي.
وقد صرّح زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، بأن الحكم في هذه المناطق يجب أن يكون إسلاميًا، “ولكن ليس وفقًا لمعايير الدولة الإسلامية”.
ورغم أن تقارير صحفية تحدثت عن نسخة أقل تشددًا من الحكم تُطبقها هيئة تحرير الشام، فإن الجماعة السلفية أظهرت صرامة في تأكيد هيمنتها وممارسة ضغوط على المعارضين لها، وفقًا لما يقوله المحللون. كما أفادت تقارير من شمال سوريا بأن الهيئة قمعت مظاهرات شعبية نددت بحكمها.
ووردت تقارير واسعة النطاق تتهم هيئة تحرير الشام بممارسة التعذيب ضد المعتقلين لديها. وقد نفى الجولاني هذه الاتهامات، داعيًا منظمات حقوق الإنسان لزيارة السجون وتفقد الأوضاع بنفسها.
على مر السنين، انتشرت عدة تقارير عن وفاة الجولاني، لكن جميعها ثبت أنها غير صحيحة.
بصفته زعيم هيئة تحرير الشام، سعى الجولاني إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم مدني، محاولًا الابتعاد عن الصورة المرتبطة بالإرهاب الدولي.
ورغم هذه الجهود، تُصنفه الحكومة الأمريكية كإرهابي، وتعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض عليه، نظرًا لعلاقاته السابقة بتنظيم القاعدة.