12:54 م
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
بي بي سي
توفي رجل الدين التركي، فتح الله جولن، الذي اتهمته السلطات التركية بتنظيم انقلاب فاشل في عام 2016، في منفاه بالولايات المتحدة عن عمر يناهز 83 عامًا، وفقًا لموقعه الإلكتروني الشخصي.
وذكر موقع جولن الإلكتروني “هركول” Herkul، الذي ينشر خطاباته جولن، والمحظور في تركيا، على حسابه على منصة “إكس”، أن “الإمام توفي في 20 أكتوبر الجاري”.
وقال التلفزيون العام التركي، إن “الداعية، الذي عاش في بنسلفانيا منذ عام 1999 وجُرِّد من جنسيته التركية عام 2017، توفي في مستشفى بالولايات المتحدة الأمريكية”.
كان جولن حليفًا سابقًا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لكنهما اختلفا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وحمّله أردوغان المسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، التي شهدت استيلاء جنود على طائرات حربية ودبابات ومروحيات، وقُتل فيها حوالي 250 شخصًا في محاولة الاستيلاء على السلطة.
ومن جانبه، نفى جولن، الذي عاش في منفى اختياري في الولايات المتحدة منذ عام 1999، تورطه في الانقلاب، وكان قد أسس، عندما كان يعيش في تركيا، حركة “هيزمت” Hizmet التي تعني “خدمة” باللغة التركية، والتي تسعى، بحسب أتباعها، إلى نشر نسخة معتدلة من الإسلام؛ تعزز التعليم على النمط الغربي والأسواق الحرة والتواصل بين الأديان.
وانتشرت الحركة من خلال دعم وسائل الإعلام والصحافة وبناء المدارس في دول إفريقية وآسيوية، كما عززت من وجودها داخل المجتمع التركي، خاصة في الإدارة.
ومنذ الانقلاب الفاشل، وضعت الحكومة التركية، الحركة على القائمة السوداء وصنفتها بـ”الإرهابية”، كما عملت على تفكيك الحركة بشكل منهجي في تركيا، وتقليص نفوذها على المستوى الدولي.
من هو فتح الله جولن؟
وُلد جولن، المعروف بين أنصاره باسم “خودجا فندي”، أو المعلم المحترم، في قرية بمقاطعة أرضروم شرق تركيا عام 1941. وكان والده إماماً وواعظاً إسلامياً، ودرس القرآن منذ طفولته.
وفي عام 1959، عُيِّن جولن إمامًا لمسجد في مدينة أدرنة شمال غرب تركيا، وبدأ يكتسب شهرة كواعظ في الستينيات في مقاطعة إزمير الغربية، حيث أنشأ مساكن للطلاب وكان يذهب إلى بيوت الشاي؛ بيوت تشبه في زمننا الحالي المقاهي، للوعظ.
وكانت هذه المساكن الطلابية بمثابة بداية شبكة غير رسمية انتشرت على مدى العقود التالية من خلال التعليم والأعمال التجارية والإعلام والمؤسسات الحكومية، ما أعطى مؤيديه نفوذًا واسع النطاق.
وامتد هذا النفوذ أيضًا إلى ما وراء حدود تركيا إلى الجمهوريات التي توجد فيها قوميات التركيات في آسيا الوسطى والبلقان وأفريقيا والغرب من خلال شبكة من المدارس.
وتدير الحركة شبكة من المدارس الإسلامية في تركيا وجميع أنحاء العالم، ولها الكثير من التأثير على الأتراك في الداخل والخارج، كما تدير مصالح تجارية واسعة النطاق.
ويكتنف الحركة “خدمة” الكثير من الغموض، إذ لا تصرح الحركة بأي هيكل إداري يحكمها، ولا تسمي أي تسلسل هرمي لمسؤوليها، لكنها تقول إنها ملتزمة بالإصلاح الديمقراطي والحوار بين الأديان.
وتعمل منذ 40 عامًا، وتؤكد التزامها بالسلم والديمقراطية. وتقدر بعض المصادر أنصار الحركة بملايين عدة داخل تركيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 70 مليون نسمة.
حليف أردوغان السابق
سافر جولن في عام 1999، إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي لكنه بقي هناك بينما كان يواجه تحقيقًا جنائيًا في تركيا.
وكان جولن حليفًا مقربًا من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في السابق، وقد دعم جولن أردوغان في سنوات حكمه الأولى منذ 2003 قبل أن يختلف معه فيما بعد.
بدأت الخلافات بين الحليفين في 2010، لكنها ظهرت للعلن أواخر 2013، بعدما كشف قضاة قيل إنهم من أنصار جولن فضيحة فساد داخل أجهزة الحكومة التي يقودها حزب “العدالة والتنمية” بزعامة أردوغان، وطالت فضيحة الفساد تلك عددًا من المقربين من الرئيس التركي، ومن بينهم نجله بلال.
وكان يُعتقد على نطاق واسع أن المدعين العامين والشرطة من أتباع حركة جولن، كانوا وراء التحقيقات، وصدرت مذكرة اعتقال بحقه في عام 2014، وتم تصنيف حركته كجماعة “إرهابية” بعد عامين.
وقد أدى الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في عام 2016 إلى تعميق الخلاف بينهما. واتهم أردوغان جولن بتدبير الانقلاب، وحُكم على 3 آلاف من أتباعه بالسجن مدى الحياة، واتخذت إجراءات قانونية ضد 77 ألف شخص. كما فُصل حوالي 125 ألف موظف حكومي من عملهم، بما في ذلك 24 ألف جندي وآلاف القضاة المحققين.
ووصف أردوغان شبكة جولن بأنهم “خونة”، وتعهد باستئصالهم أينما كانوا. وعلى إثر ذلك أُغلقت مئات المدارس والشركات والمنافذ الإعلامية والجمعيات المرتبطة به وصادرت السُلطات التركية أصول الحركة، على الرغم من إدانة جولن لمحاولة الانقلاب “بأشد العبارات”.
كما أصبح جولن شخصية معزولة داخل تركيا، وسعت أنقرة لفترة طويلة إلى تسلُمه من الولايات المتحدة.
وفي مقابلة مع وكالة “رويترز” للأنباء عام 2017، قال جولن في مجمعه المسور في جبال بوكونو بولاية بنسلفانيا إنه لا يخطط للهروب من الولايات المتحدة لتجنب تسليمه. وقد بدا في ذلك الوقت، ضعيفًا، وكان يمشي بخطوات ثقيلة يرافقه طبيبه الخاص.
وقد وصف جولن ذات يوم بأنه ثاني أقوى رجل في تركيا، حتى من منفاه في الولايات المتحدة. وعاش بعيدًا عن الأضواء، ونادرًا ما كان يدلي بتصريحات أو مقابلات لوسائل الإعلام، بالرغم من أن حركته استقطبت قطاعات كثيرة من المجتمع التركي وأدارت استثمارات بمليارات الدولارات.