بي بي سي
هي قضية تاريخية، ويمكن أن تؤثر على المصير القانوني والسياسي لدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق وتحدد نطاق السلطة الرئاسية، أمام القضاة التسعة في المحكمة العليا الأمريكية، يوم الخميس.
ومن المقرر أن يخوض محامو ترامب والمستشار الخاص جاك سميث، خلال جلسة استماع، فيما إذا كان الرؤساء السابقون يتمتعون بالحصانة من الملاحقة الجنائية بسبب الإجراءات التي يتخذونها أثناء توليهم مناصبهم.
واتهم سميث الرئيس السابق العام الماضي بمحاولة قلب نتائج انتخابات 2020، لكن ترامب قال إنه لا يمكن توجيه الاتهام إليه بموجب الدستور الأمريكي، وعُلِّقت المحاكمة حينها لتتولى المحكمة العليا في البلاد الفصل في النزاع.
وهذه سابقة تاريخية، إذ إن ترامب هو أول رئيس سابق يُتهم بارتكاب جرائم فيدرالية، وسيكون قرار المحكمة العليا، المتوقع ألا يصدر قبل يونيو، تاريخياً أيضاً.
وفي حال قضت المحكمة بإمكانية محاكمة ترامب، فإن مسار العدالة سيمضي قدماً، لكن من المتوقع أن يبدأ ذلك في أواخر الصيف على أقرب تقدير، أي مع موسم الانتخابات الرئاسية.
وإذا قررت المحكمة أنه يتمتع بالحصانة، فإن القضايا الجنائية الأخرى والمرفوعة ضد ترامب ستلغى كذلك.
وكان سميث قد ضغط على المحكمة لاتخاذ قرار في ديسمبر الماضي، لكنها رفضت.
واستذكر كيرميت روزفلت، أستاذ القانون في جامعة بنسلفانيا، مقولة شهيرة للرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون قال فيها “إنَّ الشعب الأمريكي يستحق أن يعرف ما إذا كان رئيسه محتالاً”. وأضاف روزفلت أنه يبدو أن المحكمة العليا لا توافق على ذلك، وليس لديها مانع في عدم حسم هذه المسألة قبل الانتخابات.
تتوقف قضية ترامب في جزء كبير منها على قرار المحكمة الصادر عام 1982 بحق رئيس جمهوريّ آخر شغل البيت الأبيض، وهو نيكسون، يقضي بأن الرؤساء محصنون من المسؤولية المدنية – الدعاوى القضائية التي يرفعها مواطنون عاديون – عن الإجراءات المتخذة كجزء من واجبات الرؤساء الرسمية.
ويؤكد محامو ترامب أن المبادئ الكامنة وراء هذا القرار تنطبق أيضاً على المسؤولية الجنائية.
وقال البروفيسور روزفلت، الذي عمل كاتبا لدى قاضي المحكمة العليا السابق ديفيد سوتر: “يجب أن يكون الرئيس قادراً على أداء وظيفته دون خوف من ضغط النظام القضائي بمضايقته أو الانتقام منه”.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هو ذلك النص في الدستور الأمريكي الذي يقول إن القادة الذين يتم عزلهم من مناصبهم عبر محاكمة في مجلس الشيوخ سيكونون “مسؤولين وخاضعين لتوجيه الاتهام والمحاكمة والعقاب، وفقاً للقانون”.
ويقول محامو ترامب، إن هذا يعني أنه لا يمكن محاكمة الرؤساء السابقين جنائياً إلا بعد عزلهم وإدانتهم من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي.
وُجد أن ترامب غير مذنب بعد محاكمته البرلمانية في فبراير 2021 بتهمة التحريض على هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول.
وقال ديفيد سوبر، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون، إن ترامب يتخذ أيضاً موقفاً “مطلقاً” بشأن الحصانة الرئاسية.
وأكد محاموه أن عرض الرؤساء السابقين على المحاكمة الجنائية سيكون له عواقب وخيمة على فصل السلطات بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
وقال البروفيسور سوبر، إن هذا ربما يرجع إلى أن تصرفات الرئيس السابق – محاولته عكس نتائج الانتخابات للبقاء في السلطة – تبدو وكأنها تخدم مصلحته الشخصية، حيث إن تلك التصرفات قد لا يراها قضاة المحكمة ضمن واجباته الرسمية.
ويحذر مكتب المحقق الخاص من العواقب الوخيمة، إذا ما كان الرؤساء يتمتعون بحصانة كاملة من الملاحقة الجنائية أثناء وجودهم في مناصبهم، قائلاً إن ذلك “يمكّنهم من انتهاك أي قانون بحرية”.
خلال المرافعات الشفهية في المحكمة الابتدائية، رأى أحد القضاة أنه بموجب منطق ترامب، يمكن للرئيس أن يأمر فرقة من القوات الخاصة بقتل خصم سياسي وعدم توجيه اتهامات إليه.
ويقول المدّعون إن تأكيد ترامب على أن الرؤساء السابقين يتمتعون بالحماية طالما لم تتم إدانتهم في محاكمة عزله ستخلق ثغرة أيضاً، حيث إنه من الممكن للرؤساء ارتكاب جرائم في نهاية فترة ولايتهم أو الاستقالة قبل إدانة مجلس الشيوخ والتهرب من الملاحقة القضائية.
وفي حين لا توجد أمثلة لمحاكمة رئيس سابق، يشير سميث أيضاً إلى نيكسون، ويقول إن العفو عن نيكسون بتهمة التستر على فضيحة ووترغيت بعد أن ترك منصبه هو دليل على أن الرؤساء السابقين كانوا على علم بأنهم معرضون لتهم جنائية.
يمكن للقضاة – الذين عين ترامب ثلاثة منهم – أن يحكموا بأن الرؤساء السابقين يتمتعون بحصانة شاملة أو أنهم لا يتمتعون بأي حصانة جنائية.
ويمكن للمحكمة أيضاً أن تصدر قراراً وسطياً.
على سبيل المثال، يمكن أن تحدد المتطلبات التي يجب على المحلفين مراعاتها، مثل ما إذا كان الرئيس السابق يقوم بواجباته الرسمية، أو يمكن أن تحكم بأن ترامب قد يتمتع بمستوى معين من الحصانة، لكنها تترك الأمر لمحكمة أدنى درجة لاتخاذ هذا القرار عبر محاكمة قضائية.
وقال سوبر: “أعتقد أن هذا سيكون خياراً أفضل للغاية من الناحية السياسية، لا أعتقد أن القضاة يرغبون بأن يكونوا المسؤولين وحدهم عن إنهاء هذه الملاحقات القضائية”.
ومع ذلك، فإن مثل هذه النتيجة من شأنها أن تضع مهمة الادعاء التي يتولاها سميث في مأزق المجهول، ما يفتح الباب أمام المزيد من التحديات والتأخيرات.
في مثل هذه القضية المشحونة سياسياً، قد يحاول القضاة إصدار قرار بالإجماع، كما فعلوا في قضية أخرى تتعلق بترامب والتصويت الأولي في كولورادو.
وأضاف أنه من المحتمل أن يكون هذا حكماً مدروساً لا يمنح ترامب حماية شاملة ولكنه يترك بعض المجال للحصانة الرئاسية.
لكن المحكمة قد تنقسم أيضاً على طول خطوط الصدع الإيديولوجية.
وتصوًّر سوبر نتيجة يؤيد فيها القضاة الثلاثة الأكثر تحفظاً الحصانة الشاملة، بينما لا يمنح القضاة الثلاثة الأكثر ليبرالية ترامب أي حماية، بينما يأتي الثلاثة الباقون في مكان ما بينهما.
يمكن أن يكون لحكم المحكمة في هذه القضية تأثير مباشر على قضية التدخل في الانتخابات التي رفعها ترامب في جورجيا.
ويمكن أن يؤثر أيضاً على قضية الوثائق السرية التي تم العثور عليها في منزله في فلوريدا، وفي حين أن الجرائم المزعومة وقعت بعد ترك ترامب منصبه، فإنه يؤكد على أنه رفع السرية عن الوثائق عندما كان لا يزال في منصبه.
والقضية الوحيدة التي لم تمسها المحكمة العليا على الإطلاق هي محاكمة الأموال السرية الجارية في نيويورك.
وبينما قد تقرر المحكمة العليا في وقت لاحق من هذا العام تمتع الرؤساء الحاليين والسابقين بالحصانة من الملاحقة القضائية، فإن هيئة المحلفين في نيويورك تدرس ما إذا كان ترامب مذنباً بارتكاب جرائم في عام 2016، حين كان مرشحاً.