05:20 م
السبت 20 مايو 2023
مارينا ميلاد:
قبل ثلاثة أيام، تجمع العشرات في قاعة مغلقة بأحد الفنادق الفخمة في مدينة جنيف السويسرية لأجل حضور مزاد دار “كريستيز” الشهير. وعلى المسرح، كان شخص يتحدث بإنجليزية سريعة وأداء حماسي يليق بأجواء المزادات.. انقلبت الصورة المعروضة على الشاشة خلفه لتكشف عن قطعة جديدة يعرضها للبيع، فأعلن اسمها: “The star of Egypt diamond” أو “ماسة نجمة مصر”.
لم يحتج الرجل الكثير من الوقت ليتحدث عن تلك القطعة بالتحديد. فسرعان ما دق على الطاولة في إشارة منه إلى بيعها بـ2.7 مليون فرنك سويسري (3.02 مليون دولار) في أقل من 3 دقائق من بدء المزايدة عليها.
بدت هذه الماسة الجميلة والقديمة للموجودين كقطعة فريدة وغير عادية. لكنها أيضًا تخفي أشياء كثيرة وراءها. فلا تملك تاريخًا واضحًا ودقيقًا، إنما بعض الوقائع التي تحمل قدراً كبيراً من الاعتقادات والتخمينات، وأبرزها أن فاروق الأول (ملك مصر) كان يملكها في فترة ما.
فما هي تلك الماسة المُحيرة؟ وكيف وصلت إلى ذلك المكان بجنيف؟
خرجت تلك الماسة إلى النور قبل أسبوع تقريبًا، مع إعلان دار “كريستيز” البريطاني عرضها للبيع في مزاده. المزاد المسمى “جواهر رائعة”، روّج لهذه القطعة على هذا النحو: “نجمة مصر هي بلا شك جوهرة ثمينة، ذات حجم مثير للإعجاب وتاريخ رائع.. يولّد هذا الماس شعورًا بالبهجة السحرية لا يمكن تكراره، ويشارك ضوءه مثل النجوم المتوهج في السماء. جمالها الخالد لا يُرى فقط بل يشعر به في الداخل”.
وقدر المزاد سعر القطعة بأنه يتراوح بين 2 – 3 مليون فرنك سويسري.
والماسة، حسب موقع الدار الرسمي، من عيار 105.52 قيراط، ووزن يبلغ 21.1 جرام. لكن الدار ليست لديها معلومات دقيقة لأصل الماسة مثل مواصفاتها. فتذكر أن “نجمة مصر هي ماسة لها جذور تاريخية، لكن هناك عدم يقين يحيط بتاريخها. فتشير بعض التقارير إلى أن بلدها الأصلي هو الهند، لكن هذا لا يزال محل نزاع.. كما تعتقد تقارير أن الحجر هو ماسة برازيلية”.
لكن ما خلصت الدار إلى روايته، هو ما تجمع عليه أغلب المصادر، وهو أن حجرها ظهر لأول مرة عام 1850، فاشتراه خديوي مصر على الفور (كان الخديوي عباس حلمي الأول هو حاكم مصر آنذاك)، وكانت تزن حينها حوالي 250 قيراطًا (قديمًا) وذات شكل بيضاوي.
بعدها، بيعت بطريقة ما عام 1880، ثم اختفت تمامًا إلى أن ظهرت للمرة الأولى في سوق لندن عام 1939 بشكل زمرد ووزن أقل (وزنها الحالي). اشترتها دون تردد شركة London Jewellers Wilson & Gill، الشركة العاملة في تصنيع المجوهرات منذ 1892.
إلى هذه النقطة، لا خلاف كبيراً حول تسلسل المحطات التي عاشتها الماسة، لكن بقيت مسألة امتلاك الملك فاروق لها غير مؤكدة. فترجح دار المزادات بأن الملك فاروق الذي حكم مصر بين 1936 و1952 قد اشتراها لاحقاً.
فتقول: “كان الملك معروفًا بأسلوب حياته الفخم، حيث العملات المعدنية والسيارات ومجموعة مجوهرات رائعة، المجموعة التي تضمنت قطعتين إحداهما (نجمة الشرق 94.78 قيراطًا) والأخرى تسمى (Dcolor, Flawless Jonker diamond 726 قيراطًا). وقد اختفى كلاهما بعد نفيه عام 1952 ولم يعاودا الظهور إلا بعد عدة سنوات”.
فبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، صُدرت جميع ممتلكات أسرة محمد علي، بما فيها المجوهرات، التي يعرض جزء كبير منها بمتحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية. بينما يبقى جزء آخر مفقود، يظهر بعضه بين الحين والآخر بالمزادات.
ولم يشر موقع “فاروق مصر” المعني بتوثيق كل ما يخص بالملك فاروق إلى تلك الماسة التي صارت مدرجة في قائمة أكبر أحجار الماس المصقولة في العالم.
ويقول ماجد فرج (المتحدث الرسمى باسم الملك أحمد فؤاد الثاني) لـ”مصراوي” نقلا عن الملك، “إنه لا يعرف شيئًا عن تلك الماسة”. كما يوضح “فرج” باعتباره مؤرخ العائلة المالكة أن الملك فاروق حين خرج من مصر لم يكن معه مجوهرات، وظلت جميعها تحت المصادرة، ثم تفاجأت الأسرة بظهور قطع لدى آخرين.
ولزمن طويل، لم يظهر شيء عن الماسة سوى عام 2020. إذ ذكرها معهد الأحجار الكريمة في أمريكا (GIA)، السلطة الأكثر ثقة لتقييم الماس والأحجار الملونة واللآلئ، في تقريره الذي يحمل رقم 5212238017، حيث شرح تكوينها ووصف حالتها بـ”الجيدة”.
طوال تلك السنوات ظلت الماسة “في ملكية خاصة غير معلومة”، كما يذكر دار “كريستيز”، حتى قرر مالكها عرضها بمزاد الدار، التي لم تجب – حتى الآن – عن تساؤلاتنا بشأن “متى وكيف حصلت على هذه الماسة؟”.
وكانت مصر قررت مقاضاة هذه الدار عام 2019 بعد بيعها رأسا للإله آمون يحمل ملامح وجه توت عنخ آمون، رغم اعتراض السلطات المصرية على البيع. بينما أصرت دار “كريستيز” على سلامة موقفها القانوني، قائلة “إن لديها وثائق الملكية الحديثة لها”، لكنها لم تؤكد أن لديها ترخيصًا بتصدير القطعة من مصر بطريق شرعي.
وقتها، قال ديك أليس (رئيس وحدة مكافحة جرائم الآثار في الشرطة البريطانية السابق)، في تصريحات له: “يمكن لمصر أن ترفع القضية أمام المحكمة العليا. لكن من المهم أن تتحقق من سجلاتها وتقدم للمحكمة دلائل على أن الآثار المباعة لم تخرج بطريقة شرعية”.
ولم يتبين بعد ذلك ما إن شرعت مصر من خلال اللجنة العليا للآثار المستردة في طريق التقاضي أم لا.
وبالنسبة لقانون مصري صدر عام 1983 بهدف حماية الآثار، فأن أي أثر مصري يوجد في الخارج دون أن يملك حائزه ترخيص تصدير هو ملكية مصرية مسروقة لا يسقط بالتقادم الحق في المطالبة باسترداده. لكن قبل هذا القانون، كانت مصر تمنح بعثات التنقيب رخصا لإخراج بعض القطع من مصر باستثناء القطع الأثرية ذات القيمة العالية.
لكن ماسة نجمة مصر لم تخلق جدلا كهذا. ذهبت واختفت وعادت في بلد آخر بهدوء. وقد انضمت إلى نحو 6 آلاف قطعة مصرية متنوعة مباعة من خلال هذا الدار، محققة السعر الأعلى بين كل قطع المزاد. تلك القطع التي تقول عنها الدار إنها “مجموعة مختارة بعناية من المجوهرات التاريخية والحديثة”.
اقرأ أيضًأ:
تراث مَحذوف: مبانٍ تراثية خارج “قوائم الحماية”
مباحث.. أول سفينة علمية مصرية جابت المحيطات وعادت لتغرق على شواطئها