01:29 م
الخميس 19 ديسمبر 2024
الشرقية ـ ياسمين عزت:
تركوا بيوتهم وعاشوا في الجبال والغيطان، رحالة وراء المواشي والأغنام مصدر رزقهم الوحيد، لا يعرفون الاستقرار، يقيمون حيث توجد المراعي، تلك طبيعة حياتهم، ينامون في الخلاء صيف شتاء، يتقون حرارة الطقس والأمطار بخيمة من الخيش، أطفالهم يرتحلون أينما رحلوا رفقتهم، يلعبون ويمرحون بأقل الإمكانيات، لكنهم يشاركونهم العمل والشقاء.
“مصراوي”، التقى عائلة من عرب الصبايحة، فى أحد الحقول الزراعية بنطاق مركز الزقازيق، حيث إقامتهم لرعي الماشية خاصتهم، وتقول “منى الجمايعة” في منتصف الخمسينات، ربّة أسرة، أم وجدة لأحفاد عدّة،:” نحن العرب الرحالة، نتواجد أينما توجد المرعى، لا نعرف الاستقرار في مكان واحد، حتى بيوتنا نبنيها ونهجرها إلا قليل فهي دائما محطة إقلاع، نسافر بلاد الله سعيا وراء الرزق”.
وتابعت:” نشأت منذ طفولتي واعتادت طبيعة حياة الترحال وهكذا أبنائي وأحفادي، لنا بيت كباقي العرب بقريتنا، لكن دائما الجبال والحقول الزراعية حيث المراعي وجهتنا لرعي وعلف المواشي، فلا صنعة ولا وظيفة سواها، فمهما كانت صعوبة الترحال ومشقة الحياة لا نألف سواها، نصحب أطفالنا وكل ما نملكه من مال ونحط رحالنا في أماكن متفرقة ولعل أكثر وقت نقيمه بمكان هو شهر على الأكثر”.
وتضيف “منى”: “أن زوجات أبنائها يرتحلون معها هن الأخريات لمساعدتها في الأعمال اليومية”، موضحا أن اليوم في حياة العرب الرحل يبدأ مع خيط الفجر قبل الشروق، بصلاة الفجر ثم تنطلق وتبدأ رحلة العمل وكأنهم جميعا خلية نحل، الجميع يعرف مهامه ويقصدها حتى الأطفال لهم نصيب من المهام”.
يبدأ اليوم بتجهيز عليقة المواشي والأغنام لإفطارهم، ثم حلب الأبقار والجاموس ليدر اللبن، الذي يصنعون منه مشتقات الألبان المتعددة كالجبن والقشدة والزبدة، تارة لبيعها وجلب دخل اقتصادي منها وأخرى لتكون طبقا رئيسيا لهم على المائدة.
يستمر اليوم وتنطلق هي وزوجات أبنائها لتحضير الفطور وتسويته على الميفا بديل البوتاجاز وخبز الخبز العرباوي الذي يعد من تراث أكلاتهم، ثم تعد سفرتهم بالخيرات من الطعام صنيعة يدهم، وما إن ينتهون من تناوله يعاودون العمل من جديد.
بعد الانتهاء من الفطور تنطلق العائلة جميعها أطفال ورجال ونساء للعمل، خدمة للمواشي والطيور، وتجهيز الغداء وكذلك خبز الخبز وباقي الأعمال المعتادة يوميا، فهم في حركة لا تنتهي منذ الفجر وحتى المساء.
وفي منتصف المساء يقطعون البرسيم أو الدروة طعام الماشية لتقديم وجبة العشاء، وما إن ينتهون منه يسدل الليل ستائره، ويسكنون بلا عمل، إذ أنها ساعات الراحة والانتظار ليوم عمل جديد، لا تنير لهم إلا مصابيح السماء لذا يحبون الليالي القمرية المضيئة.
وتقول منى إنه “في ليل الصيف لا حاجة لغطاء إلا القليل فالأجواء حارة والخلاء جيد في مثل هذه الحالة، إلا أنهم يعانون الزواحف والحشرات الطائرة وربما يتقونها بإشعال النيران والدخان، أما في الشتاء يحتاجون لأغطية ثقيلة وتقيهم الخيشة “الخيمة” من الأمطار التي تسقط عليهم، مضيفة: “أنه في كثير من الأحيان تسقط الأمطار فوق رؤوسنا، وليس بأيدينا سوى انتظار توقف قطرات المطر لتغيير ملابسنا”.
تضيف أنهم يعيشون في الخلاء لذا يحتاجون حماية أموالهم وأغراضهم فربما تسول لأشخاص غير أمناء السطو عليهم أو الهجوم، إلا أنهم تعلموا اليقظة والحرص دائما في حياة الترحال، فالرجال يسهرون الليل لا ينامون والنساء والأطفال ينامون في الليل، معبرة عن ذلك بوصفها “بنام عين مفتوحة وعين نايمة ونومنا قليل لنحفظ مالنا وأرواحنا”، وهكذا تمضي الحياة.
وتواصل السيدة البدوية حديثها قائلة: “حياة الترحال رغم مشقتها إلا أننا لا نستطيع حياة سواها، نتزوج ونعيش في الجبال والغيطان رغم تشييد البيوت والمنازل، كما أن الشباب المقبلين على الزواج يبدأون حياتهم في خيمة رفقة العائلة”.
وتابعت : “تختلف عوايدنا عن غيرنا في طريقة الاحتفال والطعام، إذ نقيم ثلاث ليالي الفرح أو ليلتين، وذبح الذبائح وتقديم الطعام على صواني كبيرة، لحوم وفتة وأرز، ويجتمع الأهل من قبيلتنا والقبائل الأخرى للاحتفال يأتون لنا آميالا، كما أن العرب يعتمدون على تقديم شبكة من الذهب كبيرة تقدر بجرامات عديدة، ونتفادى تجهيزات الشقق باهظة الثمن إلا القليل من العرب”.
تختتم في حديثها أنها رغم التنقل والترحال رفقة الأطفال، إلا أنها تود أن يتعلم أبنائها في المدارس والجامعات، ولكن عدم الاستقرار يحيل كثيرا بينها وبين أمنيتها في تعلم الأبناء.