جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
هل كان إيلون ماسك ومديرو منصته “تويتر” في احتياج إلى جرس تنبيه قوى بل وربما إلى إحساس بلكمة تنافسية في ساحة مصارعة تمنحه فرصة تنبه ثم إفاقة ونظر بينما لا يزال باقيا على الحلبة؟ .
إن سياق النجاح في الأعمال وهكذا سيرة إيلون ماسك قد ينبئ ويغري معا بنجاح تال متوقع، لكن أين ذهب مثلا موبايل “البلاك بيرى” الشهير؟! وأين ذهبت هيمنة “Yahoo” على فضاء الإنترنت والبريد الإلكتروني بينما “جوجل” يملأ الآن بقاع الكون الإنترنتى، النجاح المستمر معادلة مستمرة وأيضا ليس يسيرا ولا يقينيا كما هو حال توقع البعض عند إدارة ماسك لمنصة تويتر منذ استحواذه عليها، ولكن هل لا زالت هناك فرص بقاء على الحلبة وربما انتصار واستمرار وفي وجه منصة جديدة Threads يراها البعض تتمثل بتويتر وتقلد كثيرا من عناصرها؟
تدفع مراجعة المشاهد والوقائع للقول بأنه قد صاحب استحواذ إيلون ماسك على تويتر حديث متصل وأجواء مدهشة مثيرة صنعها إيلون ذاته حين عرض مبلغ 44 مليار دولار، وقد تم دفعها في منصة إلكترونية لا تملك أصولا من أرض وعقار ومنقولات، لا شيء سوى مبنى من عدة طوابق تعلوه أيقونة تويتر، وبالطبع فإن الشراء كان لحضور المنصة واستضافة ساحتها ما يقرب من نصف بليون شخص على جغرافيتها الإنترنتية الكونية، وما يصاحبه من تقدير لفرص نمو هائلة متوقعة وأيضا نمو في أرباح التدفقات المختلفة للمنصة، مع شيء آخر مهم جدا ومتزامن هو حيز الوصول والتأثير البشرى خاصة في المنطقة الجغرافية الأهم والأكثر تأثيرا ونفوذا حيث يقبع العدد الأكبر من مشتركي تويتر عالميا في الولايات المتحدة الأمريكية، وما قد يصاحب ذلك من توقعات ثم تصاعد سعر أسهمها من قبل مستثمرين كثر غربا وشرقا يقدرون هذا الأثر والنفوذ والشراكة الضمنية كحملة أسهم فى إدارة سياسات المنصة، وحيث ظهرت قبلها مدوية أهمية وتجليات تأثير المنصة في الدور الذي لعبته في السياسة الأمريكية وخاصة عند استخدام الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب لها.
كانت تلك الصفقة تأكيدا على طبيعة الصناعة والتجارة والاستثمار الأكثر جدلا وإثارة وفرصا وتأثيرا في عالم اليوم، والذي لم يعد يضم وثائق ملكية عينية ومادية ضخمة وأسطول من الطيارات والسيارات والمباني بل قدرة الوصول والتأثير فى البشر، ثم أيضا التأثير والنفوذ الاجتماعى المهول الذي هو مدخل في التأثير في الحياة ومجالات صناعة القرار في المجتمعات ونخبتها فضلا عن عوائد مالية تسويقية وإعلانية، كل ذلك مجتمعا قد تخبو إلى جواره أهمية والضخامة الظاهرية لرقم 44 مليار دولار فهل هكذا فكر إيلون ماسك؟!. ثم ألم يقدم ترامب عبر تويتر صورة عن كيف يمكن تحدي أساسيات أكثر النماذج الديمقرطية حضورا وتمثيلا عبر التاريخ ومن خلال نداءات على تويتر من العاصمة الرسماية الأكبر وفي واحدة من غرائب وعجائب المقارنات “شعبوية” -وإن تباينت الوسائل والهدف- مثلما أطلق لينين شعاره في الساحة الجماهيرية العتيقة فى أوائل القرن الماضي وحملته المنشورات “الحمراء”: يا عمال العالم اتحدوا!.
كان يتوقع أن يقود إيلون ماسك المنصة إلى أفق تنافسي كبير وحضور أكبر لكن طابع الاستعراض في شخصه قادها إلى ما يشبه حافة هاوية، حمل في يده حوضا مثقوبا ملازما له في الصور كأنه سيرشح مضمونها، ولم تتزامن معها مبادرات خلاقة مطورة ومبدعة.
ويتركز أغلب النقاش عبر مختلف وسائط الميديا حول كيف أنه وبعد تدشين وإطلاق Threads تجمع عشرات الملايين من المشتركين وأن ذلك علامة موت مبكر لمنصة تويتر، ينسى هذا النقاش أن هؤلاء الملايين الثلاثين أو الأربعين الذين التحقوا بالمنصة الجديدة في ساعتها أو ساعاتها الأولى لم يكونوا “زبائن” لتويتر ثم قاموا بإلغاء حسابهم على تويتر ترحيبا منبهرا بخدمات المنصة الجديدة، وثانيا أن غالبية هؤلاء الجمهور هم من جمهور منصة انستجرام المملوكة لشركة ميتا المصدرة للمنصة الجديدة، وأن انتقال بعضهم وعمل حساب هو انتقال سلس “توماتيكي” وفق تسويق صناعة البيتزا الإنترنتية “معاك منصة وخد منصة تانى معاها”، هكذا لم تقدم شركة ميتا منتجا جديدا له مواصفات تنمو عبر الوقت اهتماما وتفضيلا واستخداما جماهيريا، بل أضافت حضورا للمنصة الجديدة نقلا عن المنصات أخواتها، وفى ظنى أنها سياسة سلبية وتقلل من قيمة المنصة الجديدة لدى جمهور تويتر الأصلي لو كان الهدف استقطابهم وأقدر أيضا أن الوقت الذى سيقضيه الجمهور “الوافد” على المنصة الجديدة سيكون خصما من الوقت المستخدم لهم على منصتي الشركة ذاتها فيس بوك وإنستجرام.
وثالثا أن بعض ذلك الانتقال “الحر” هو طابع الجمهور الناشئ العابر فى عصر المنصات، الإعجاب والتجريب ثم الملل ثم النفور، والأمر يحتاج وقتا لتدقيق مؤشرات استخدام المنصة الجديدة ومدى قدرتها على جذب جمهور من منصات منافسة وخاصة تويتر ثم مدى نموها باطراد وهنا تدخل صناعة البحوث المكملة والضرورية كونيا، وحيث أن سكان كوكب تويتر الأصليين الغالبية منهم شرائح عمرية متوسطة ومرتفعة، وأيضا الخصائص الاجتماعية الاقتصادية لهم مختلفة، ثم إن معظمهم لهم سمات نخبوية فى مجالات اهتمامهم وعملهم، وفى ذلك فإن قرار النزوح يحتاج أثرا وتفكيرا وتجربة وزمنا، بينما كان ويبقى انستجرام وشريكه المتضامن الجديد Threads اشتراكا واحدا أقرب كثيرا لسمات قاطني كوكب التيك توك شرائحا ديموجرافية، وهو المنافس الحقيقي لهم وربما كان الهدف “الخفي” هو مواجهة التيك توك – صينى المنشأ- المضطرد نموا وحضورا وتأثيرا داخل أمريكا تحديدا والغرب بينما هناك هدف معلن آخر هو منافسة تويتر.
ثم يبدو ومن وجهة نظري أن الاسثمار الأكبر والتسويق الأهم لتويتر فى هذه اللحظة ليس في دخول جدليات عن الموظفين القدامى وتحذير شركة ميتا مالكة منصة Threads من جعلهم يفشون أسرارا !، بل في التأكيد على طابع تويتر النخبوى الواسع بالتركيز على خصائص جمهوره الذي وفرته عشرات الدراسات، بل والحفاظ عليهم داخل حدود منصتهم وتوسيع إتاحة دخول جديد لجمهور من نفس الفئة بدون فرض قيود على المشاهدة والمتابعة كما فعل ماسك مؤخرا وقبل أيام من إطلاق المنصة المنافسة.
إدراك ما سبق جزء من الأمر ويجدر ألا ننسى أن قرار شراء ماسك لتويتر لم يكن لأنها المنصة الأعلى جماهيرية في حيز النشاط والاستخدام كونيا فقد كانت -وقت الشراء وهو يعلم يقينا- ولا زالت أقل حجما وانتشارا دوليا فى الاشتراك والاستخدام من كل من فيس بوك ويوتيوب وانستجرم وتيك توك، بل لطابعها المتميز والخاص والنوعي وقدرة تأثيرها وحضورها التي تم اختبارها في العاصمة الأولى في العالم وهو ما لا تكفى عشرات البلايين كونيا لشرائه! “مش كده ولا إيه”؟!.