06:02 م
الخميس 05 أكتوبر 2023
كتبت- سلمى سمير:
يبدو أن أصوات الجمهوريون داخل الكونجرس الأمريكي ضد تدفق المساعدات لأوكرانيا بدأت في التزايد شيئًا فشيئًا، خاصة مع تلافي مجلس النواب طلب البيت الأبيض بالموافقة على حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 26 مليار دولار كانت ستوفر دعمًا كافيًا إلى نظام كييف في حرب عضال تخوضها ضد أقوى جيوش العالم، في محاولة على ما يبدو لإغلاق شراعة سيل المساعدات إلى أوكرانيا منذ فبراير 2022.
رغم أن غالبية الطلبات الأوكرانية كانت مجابة من الغرب مذ لحظة اندلاع الحرب لكن ذلك لم يشبع شراهتها للأسلحة، فمواجهة الوريث الأكبر للاتحاد السوفيتي دفعت زيلينسكي للمطالبة بالمزيد من الأسلحة في كل زيارة للغرب وفي كل تصريح لإدارته، الأمر الذي كان يملئ الجمهوريين أو يسموا “أنصار بوتين بالحزب الجمهوري” غضبًا أكثر على اعتبار “أن أوكرانيا ليست الولاية رقم 51” كما قالت النائبة الجمهورية عن جورجيا مارجوي تايلور، في تصريحات صحفية عقب انتهاء جلسة مجلس النواب.
حاول زيلينسكي في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الإبقاء على الزخم الأمريكي الذي لم يتردد في إغداق أوكرانيا بالمساعدات منذ استيقظ العالم صباح الـ 24 من فبراير على الصواريخ الروسية وهي تمطر سماء كييف، لكن أهداف زيلينسكي وطريقة استقباله هذه المرة تختلف، فلم يعد الحشد الشعبي كما هو ولا حتى أيدولوجيات المسؤولين هي نفسها، فالأول تراجع إلى 48% بعدما كان 60% من الأمريكيين يؤيدون دعم أوكرانيا بالأسلحة العام الماضي، وفق مركز وكالة “أسوشيتد برس ونورك” لأبحاث الشؤون العامة.
والثاني أن الجمهوريين المعروفين بمواقفهم المعارضة للدعم العسكري الهائل لأوكرانيا أصبحوا أغلبية في مجلس النواب، وهذا من شأنه عرقلة مساعي الرئيس الأوكراني، الذي قال رئيس مجلس النواب الجمهوري المعزول، كيفن مكارثي، أنه يود سؤال زيلينسكي حول مآل الأموال الأمريكية في أوكرانيا إضافة إلى سبيل تحقيق النصر، وهو أمر سعى الرئيس الأوكراني، لطمأنة المشرعين بشأنه خلال اجتماعه بهم في الكابيتول، بتحديد المساعدات الأمريكية كشرط واضح لمواصلة القتال ضد روسيا.
حجم المساعدات الأمريكية منذ البداية
منذ الشرارة الأولى للحرب الأوكرانية، حشدت الولايات المتحدة دعمًا كبيرًا لكييف منذ اليوم الثاني للحرب قُدر بأكثر من 76.8 مليار دولار مثلت المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا منه نسبة 65 % جاءت تباعًا على 47 حزمة، وذلك حسب ذكر موقع “وزارة الدفاع الأمريكية”، لتصبح أوكرانيا بذلك أكبر الدول تلقيًا للمساعدات الأمريكية مع اقتناصها 50 مليون دولار يوميًا من الخزائن الأمريكية في سابقة لم تحدث في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حسب ذكر “معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية”.
مرت المساعدات العسكرية الأمريكية إلى كييف بأطوار عدة ففي البداية اختزلت المساعدات الواصلة إلى أوكرانيا في الأسلحة الصغيرة والذخائر ودروع واقية من الرصاص ومعدات لتأمين الخطوط الأمامية في جبهة القتال، لكنها أخذت تنمو مع طول أمد الحرب فظلت واشنطن تفرج كل يوم عن مساعدات أكبر من نظيراتها.
في الـ 25 من أغسطس عام 2022، أرادت واشنطن تعزيز الجانب العسكري للبلد الواقع في الشرق الأوروبي فقدمت مساعدات عسكرية بقيمة 3 مليار دولار، تزامنًا مع دخول الحرب شهرها السادس، في حزمة مساعدات هي الأكبر وقتها، أرادت الولايات المتحدة بها تأمين الجانب الأوكراني لمدة عامين، مع تضمنها مسيرات متطورة وصواريخ موجهة بالليزر وصواريخ أرض جو.
بداية الربيع الماضي غمرت واشنطن كييف بالمساعدات العسكرية، ففي مارس أرادت إدارة بايدن التأكيد على التزامها طويل الأجل تجاه كييف، خاصة مع بدء الجيش الأوكراني حينها هجومه المضاد في الربيع لاستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا وفي سبيل ذلك خصصت واشنطن 2 مليار دولار كمساعدات أمنية إضافية إلى نظام زيلينسكي، وفي 21 أبريل من الشهر التالي أعلن البيت الأبيض عن مساعدات عسكرية بقيمة 800 مليون دولار وذلك بعد خمسة أيام فقط من حزمة مساعدات مماثلة في نفس الشهر.
وهكذا استمر الحشد العسكري لكييف وسط معارضة الجمهوريين لإرسال كم كبير من الأسلحة إلى كييف مع قلق من حجم الدعم الذي تمتلكه واشنطن لتأمين نفسها، حيث بلغ حجم المساعدات العسكرية الأمريكية إلى كييف حتى الآن 46.6 مليار دولار، وفق صحيفة “بي بي إس” الأمريكية، بينما بلغ حجم الإنفاق العسكري الأوروبي على أوكرانيا 40.8 مليار دولار أي أن الولايات المتحدة وحدها تفوق دعم دول أوروبا كاملة وذلك وفق موقع “ستاتيستا”.
كانت مشكلة الدعم الأمريكي لكييف سواء الأسلحة التي أفرجت عنها واشنطن من خزائنها أو التي أعطت الحلفاء في الناتو ضوء أخضر لإرسالها، تتعلق بنوعية الأسلحة التي تتلقاها أوكرانيا فمع إرسال إدارة بايدن أسلحة متنوعة ومتطورة، لكن روسيا استشاطت غضبًا بفعل أنواع محددة من المساعدات العسكرية أولها القنابل العنقودية المحرمة دوليًا وكان آخر استخدام لها في سوريا، لكن أوكرانيا غيرت خطتها لتكون الدولة التالية في استخدامها، الأمر الذي نددت به روسيا مهددة باستخدامها هي الأخرى، وهو أمر نفاه البنتاجون عندما كشف عن استخدام روسيا للقنابل بالفعل في الحرب الأوكرانية.
لم تبخل إدارة بايدن عن دعم أوكرانيا بما تسميه “العمود الفقري” للجيش الأمريكي، مع إرسال 31 دبابة من طراز “أبرامز1” وصلت نهاية سبتمبر الماضي ضمن حزمة مساعدات جديدة بقيمة 325 مليون دولار، تضمنت ذخيرة منظومات “هيمارس” الصاروخية وأسلحة مضادة للدبابات وصواريخ دفاع، بينما لم تتضمن صواريخ “أتاكمس” بعيدة المدى التي لم تنفك كييف عن المطالبة بها، في تحول كبيرلنهج الغربي ارتبك كثيرًا قبل إرسال أي دبابات من صنعه إلى أوكرانيا خشية إثارة حفيظة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجر الناتو في مواجهة مباشرة مع روسيا.
ويعتبر إٍرسال دبابات “إبرامز” تغير في الموقف الأمريكي تجاه كييف مع تصريحات واشنطن السابقة عن عدم ملائمة “إبرامز1” للجيش الأوكراني، التي تمتاز بقدرتها على التسلح بطلقات اليورانيوم الخارق للدروع عيار 120 ملم، لكنها مع ذلك تثير جدلًا بسبب مضاعفاتها الصحية وارتباطها بأمراض مثل السرطان والعيوب الخلقية في مناطق الحرب التي استخدمت فيها سابقًا، وهو أمر لم يثبت بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية.
ثالث نوع من الأسلحة التي ترددت إدارة بايدن كثيرًا قبل أن تعطي الضوء الأخضر للحلفاء لإرسالها إلى أوكرانيا هي طائرات “إف-16” صاحبة الإمكانيات العالية والقادرة على مناورة العدو في الجو والأرض مع تمتعها بسرعة تفوق الصوت، تاقت أوكرانيا لاستلامها لتعوضها عن خسائر ألمت بها في حربها ضد روسيا التي تمتلك ميزة حسمت لها معارك كثيرة وهي أنظمة رادارات متقدمة تستطيع إطلاق النيران على الطائرات الأوكرانية قبل أن تستطيع اكتشافها وهو عيب كبير اتصفت به طائرات الجيش الأوكراني خلال الحرب حسب ذكر “أتلانتك كونسيل”.
يذكر أن مسؤولين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) صرحوا لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، أن مخزون ذخيرة الجيوش الغربية المستمرة إلى أوكرانيا قاربت على النفاذ، منادين بضرورة تكثيف الإنتاج حتى تستمر الحرب.