جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
هذا لا يحدث أبداً في عالمنا العربي، نحن بعيدون عنه تماماً، أقصد أن تكون ثقافة الكتاب جزءاً لا يتجزأ من المهرجان السينمائي. كان سمير فريد الناقد السينمائي والصحفي المصري رحمه الله استثناء في ذلك. فقد كان اهتمامه كبيراً وحقيقياً وصادقاً بأهمية الكتب السينمائية، بجودة إخراجها ومضمونها، وبضرورة تواجدها ومناقشتها ضمن برمجة المهرجانات التي تولى رئاستها.. أما الكثيرون من غيره فلا يبالون بذلك.
لأن أغلب القائمين على مهرجانات السينما في الوطن العربي لا يٌؤمنون بالسينما كفن يلعب دوراً ثقافياً مهماً في تشكيل الوعي، البعض الآخر لا يريد لهذا الفن أن يلعب هذا الدور من الأساس، البعض الثالث يستخدمه فقط للدعاية لمشاريعه، للترويج لنفسه، للحصول علي مزيد من المكتسبات ماديا كانت أو معنوياً، سواء كانت دولة أو أفراداً يريدون خلق صورة بها رتوش تجميليه – برستيج – لنظامها وللتأكيد على أنها/ أنهم يتحولون نحو الحداثة وإعادة الحقوق للنساء، بينما الحقيقة أن كل هذا مٌتاجرة بالسينما وباسمها.
أما، هنا، في المهرجان البولوني العريق، سينما ريتروفاتو – أي السينما المعاد اكتشافها – في دورته الثامنة والثلاثين، فالإخلاص للفن السابع وللجمهور ليس فقط عنوان جلي للمهرجان، لكنه جوهر هذه الجهود المبذولة وصلب العملية التنظيمية التي يشرف عليها أربعة مديرين.
هنا، تجد مكاناً للكتب السينمائية، ليس فقط الكتب الفردية، إنما دوما يوجد معرض للكتب، يوجد حلقات نقاش حول هذه الكتب، يوجد أيضاً «بلو راي» وهو أحدث صيغ طباعة الأفلام لتكون في حوزة من يرغب في اقتنائها من الجمهور. هذا العام من بين أكثر الأسماء يتقدم بقوة جوزيف فرانك الشهير باسم باستر كيتون الذي كان ممثلًا كوميديًا ومخرجًا سينمائيًا أمريكيًا. اشتهر بأفلامه الصامتة خلال العشرينيات من القرن الماضي، والتي أدى فيها الكوميديا البدنية والحركات المثيرة.
إذاً، بفضل المشروع الذي نظمه سينماتيك بولونيا Cineteca di Bologna – الجهة المنظمة والراعية لمهرجان ريتروفاتو – وعلى مدار عدة سنوات، كانت أفلام المخرج الأمريكي باستر كيتون القادم من عصر السينما الصامتة من بين أكثر الأفلام التي أعيدت طباعتها في أحدث أشكال التكنولوجيا «بلو راي» و«دي في دي» DVD .
هل تدرك عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة ماذا يعني هذا؟ نحن في بلادنا العربية لا نستطيع الحصول على أفلام ناطقة من العصر الذهبي للسينما المصرية، بينما هنا في بولونيا ستجد أفلاماً عديدة من العصر الصامت، بل من البدايات الأولي للسينما. لقد أصبحت متاحة أخيرًا في إيطاليا بنسخة أقرب إلى الأصل قدر الإمكان. يتضمن هذا المجلد الثاني ١٣ فيلماً والتي تؤكد أنه طوال عمر السينما لم يكن هنا إلا باستر كيتون واحد فقط. كان متفرداً، كانت أعماله تحفة فنية.
أما حظ لوتشينو فيسكونتي فيتمثل في صدور اثنين من المجلدات الضخمة عنه. الحقيقة، الأدق أن نقول إنه حظ القراء والسنفيليين، ففي هذه المجلدات نطالع رسائله، تلك التي كتبها بنفسه لآخرين، وتلك التي تلقاها خلال مسيرته، والتي تركت بصمة لا تٌمحى عن الفن والمسرح والأوبرا والسينما في القرن العشرين.
المجلد الأول – من المجلدين الضخمين – يغطي السنوات من عام 1937 إلى عام 1961، مع مقدمة قصيرة من عام 1920. إنها فترة حاسمة تُغطي تطوير وتأكيد أسطورة فيسكونتي: من تدريبه مع رينوار إلى المقاومة خلال الفترة الفاشية، واتجاهه الذي لا يُنسى للمسرح والأوبرا، ثم أول نجاحاته في السينما، من «اختراع» الواقعية الجديدة مع أوسيسيوني حتى تحفته النهائية «روكو وإخوته».
يتضمن المجلد أكثر من 700 رسالة يتحدث فيها فيسكونتي مع شخصيات مثل ماريا كالاس، فرانكو زيفيريلي، فيتوريو جاسمان، إنغريد بيرجمان، مايكل أنجلو أنطونيوني، سلفادور دالي، سيزار زافاتيني، وسوسو تشيتشي داميكو، وغيرهم الكثير.
إضافة إلى ذلك تُقام حفلة موسيقية تضم حوالي 200 آلة موسيقية ومايسترو واحد، وهو أمر نادر، لكنها أيضاً فرصة لاكتشاف طريقة عمل وأفكار وأفعال إنسان وفنان فريد أثر في التاريخ الثقافي لبلده إيطاليا، وللإنسانية التي تنتمي للفن السابع.
إضافة لكل ما سبق، يُتاح للجمهور أيضاً اقتناء أحد أهم أفلام تشارلي شابلن، فيلم ذو عمق هائل وكثير من الإنسانية، ألا وهو «أضواء المسرح» Limelight ١٩٥٢، الذي يحكي عن الممثل الكوميدي الذي يتلاشي ويحتضر والذي يلتقي راقصة الباليه اليائسة المقدمة على الانتحار، فيكون هذا اللقاء بينهما، ونظرة كل منهما للآخر، بمثابة فرصة للعثور على الهدف والأمل في حياتهما.
إضافة إلى نسخة الفيلم يوجد