جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
صحيح يوجد لدينا العديد من المؤسسات الحكومية التي من المفترض أن تضطلع بمهمة التجميل والتوعية بالجمال وتحقيق الجمال على الأرض، إلا أننا نفتقد لمظاهر الجمال في حياتنا وفي مجتمعنا بدرجة ملحوظة.
وتتعدد مظاهر الجمال فتبدأ من الإنسان. حيث يعبر الإنسان عن الجمال من خلال قيمه وأخلاقه وانعكاس ذلك على سلوكه. كما يكمن الجمال في ثقافة المجتمع، أي المعرفة والعلم وانعكاس ذلك على المجتمع عبر الوفاء باحتياجاته المعنوية والمادية.
وتنبع أهمية الجمال فيما يولده من سعادة وسرور ومتعة وما يساهم فيه من الحد من الألم والفردية والأنانية والعزلة. كما تتحقق قيمة الجمال في التعددية واللامثالية. فليس الجميل هو الأمر أو الشيء الذي يخلو من أي خطأ. وهنا تكمن فلسفة الجمال، أي ما يولده من شعور إيجابي. وما يمثله من تحدٍ لما يتم الترويج عنه في وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي بأن للجمال معايير محددة وثابتة ولا تتغيرَ!
ومن أهم عناصر الجمال التناسق والأصالة والهدوء والنظافة. فمن الصعب تصور جمالاً ينتج صخباً أو ضجيجاً أو فوضى بصرية ومن ثم الضيق.
وقد حبا الله مصر بمظاهر جمال عديدة تَغَني بها الشعراء والكتاب والفنانون والموسيقيون. ومن تلك المظاهر هدوء وتناسق الطبيعة وبساطة السطح والسهل وتعدد المنافذ البحرية التي تمد المجتمع بطاقة إيجابية. إلا أنه منذ عقدين ماضيين لاحظنا عدم اهتمام وصل إلى حد الإهمال بمظاهر الجمال في مصر كأرض وكشعب. وذلك في خضم وزحام الحياة التي طغت عليها المادة في كل جوانبها. ووصل حد الإهمال إلا أن صارت المظاهر التي كانت مصدراً للجمال مصدراً للألم.
وفي الواقع، فإن مسئولية التدهور في مظاهر الجمال في مصر تقع على عاتق الفرد والحكومة معاً. ولكن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من اللوم لأنها لم تلتفت إلى أهمية الجمال لنفسية المواطن وللانتماء والحفز على العمل والعطاء وللسياحة وللاستثمار. وبدا للحكومة أن من يتحدثون عن موضوع واشكاليات الجمال هم أناس يسكنون في أبراج عاجية ولا يلتفتون إلى معاناة الحكومة اليومية في إدارة الدولة وتوفير مستلزمات العيش الأساسي للمواطن.
وفي الواقع فإن هذا الرأي يجانبه الصواب لأن نجاح أي حكومة مصدره رضا وسعادة المواطن. وجزء من سعادة المواطن هو أن ينجو بنفسه من ضغوط الحياة المادية نحو أي موطن من مواطن الجمال على أن يكون ذلك متاحاً له بدون مشقة أو تكبد أعباء مادية.
وفي مصر لدينا وزارة للثقافة ووزارتان للتعليم والتعليم العالي وجهاز للتنسيق الحضاري وهيئات للنظافة والتجميل في كل محافظة وكليات للفنون الجميلة وكليات للهندسة المعمارية والتخطيط الحضري والعمراني. وعلى الرغم من كل هذه المؤسسات فنحن نفتقر للجمال في مجتمعنا حتى اعتاد بصرنا على الغبار والأتربة والقمامة والمخلفات المتواجدة في كل مكان!
ولذا أرى أهمية أن يكون لدينا وزارة للجمال، فكثير من الدول لديها وزارات تعبر عن أهمية وضرورة الجمال مثل وزارة أوقات الفراغ في فرنسا ووزارة السعادة في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول.
فلا يمكن حصر عدم سعادة المواطن في أمور مادية فقط، إذ توجد عوامل نفسية ومعرفية تحتاج إلى رعاية وعناية وهي أن تعود مصر جميلة وأن يسكنها مواطن جميل.