01:39 م
الخميس 07 مارس 2024
كتب- محمود الطوخي
بعد أسابيع من صراع مع جوع أتاه بالمرض، قضاها الأطباء في التحايل على جسد الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة الذي يزداد ضعفا مع كل يوم ببعض أكياس المحاليل الطبية التي لم تُسمن ولم تغن من جوع، حتى تميزت عظامه في جسده، تُوفي صاحب العشر سنوات في الرابع من الشهر الجاري، قبل أن يلحق به نحو 19 آخرون بسبب الجفاف وسوء التغذية، بعدما استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع ضد الفلسطينيين.
قبل 17 عاما فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا على غزة، وزاده إحكاما في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية انطلاقا من القطاع في 7 أكتوبر الماضي، ليمنع دخول المساعدات والمواد الغذائية بينما يمارس هوايته في القتل والتدمير منذ بداية الحرب.
وعلى مدار 5 أشهر وقع الفلسطينيون بين حمى القصف الإسرائيلي التي أسفرت عن سقوط أكثر من 30 ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، وبين النزوح وندرة الغذاء، فمتى بدأ استخدام “التجويع” في الحروب وكيف تعاطى معها الغرب مقارنة بغزة؟
ازدواجية المعايير
في أغسطس الماضي، تعهدت أكثر من 90 دولة من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات تحظر استخدام الغذاء كسلاح في الحروب لتجويع المدنيين؛ بهدف محاصرة روسيا بعد اتهامات واجهتها باستخدام الغذاء كسلاح في حربها ضد أوكرانيا.
لكن بعد نحو 6 أشهر من هذا الإجراء الأممي، الذي تعهدت به الدول وكان من بينها الولايات المتحدة، استشهد الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة ومعه 19 آخرون، بسبب الجفاف وسوء التغذية، بعد أن استخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع في الحرب على غزة.
“في عالم ممتلئ بالغذاء، لا يجب أن يموت أحد جوعا، لأنها قضية إنسانية وأخلاقية”، هكذا قالت المندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، في أغسطس الماضي، إلا أنها لم تتبنى الموقف نفسه إزاء الأحداث في غزة؛ إذ استخدمت حق النقض “الفيتو” ضد قرارات بوقف إطلاق النار في القطاع أكثر من مرة.
فخ المساعدات بشارع الرشيد
وخلال الأسابيع الأخيرة استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي حشود الفلسطينيين في عدد من المناطق بغزة خلال انتظارهم للمساعدات، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء وإصابة المئات.
وبعد أيام، من مجزرة شارع الرشيد شمال القطاع التي راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد، كشف تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تنسيق إسرائيلي مسبق لإدخال شاحنات المساعدات إلى المنطقة، مشيرة إلى أن 2 من رجال الأعمال الفلسطينيين صرحوا بأن مسؤولين إسرائيليين تواصلو معهم للمساعدة في تنظيم قوافل المساعدات إلى شمال غزة وتعهدوا بتوفير الحماية لها.
كذلك عاود جيش الاحتلال الإسرائيلي الكرّة باستهداف النازحين خلال انتظار المساعدات، أمس الأربعاء، وسط القطاع ما أسفر عن استشهاد 7 فلسطينيين.
ومنذ بداية الحرب، أظهرت الاستهدافات المتكررة لأفران الخبز وخزانات المياه مساعي جيش الاحتلال إلى استخدام الغذاء كسلاح أساسي، كما قصف عدد من شاحنات المساعدات بعد دخولها إلى القطاع.
تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة
وحذر المنسق الأممي للشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية جيمي ماكجولدريك، من مجاعة وشيكة في شمال القطاع إذا استمرت الأوضاع الراهنة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، مؤكدا أن عدد الشاحنات لا يتوافق مع قرارات محكمة العدل الدولية.
من جانبها، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين، إن ما تشهده غزة هو مجاعة من صنيع الاحتلال، مشيرة إلى أن الأطفال في القطاع يموتون نتيجة سوء التغذية، مشددة على أن وقف إطلاق النار “مسألة حياة أو موت”.
فيما أكد برنامج الأغذية العالمي، أمس الأربعاء، أن تسليم المساعدات الغذائية إلى غزة يواجه “انتكاسة كبيرة”، لافتا إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي منعت إحدى قوافله من الدخول إلى القطاع بعدما انتظرت لنحو 3 ساعات.
متى بدأ استخدام التجويع في الحروب
لا يعتبر استخدام “التجويع” كسلاح في الحروب فكرة جديدة، إذ سبق وأن استخدمتها عدة دول في السابق وكان من بينها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الأهلية ما بين أعوام 1861 و1865، حيث لجأت قوات الاتحاد الفيدرالي إلى تجويع أعدائها من المسلحين والعزل على حد سواء.
كذلك أودى الحصار الألماني لمدينة لينينجراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية، بحياة مئات آلاف المدنيين بسبب الجوع القارس ضمن ما يُعرف بـ “خطة الجوع”، التي كان من الممكن أن تلحق المجاعة بأكثر من 20 مليون شخصا في الأراضي التابعة للاتحاد السوفيتي حينها، في حال لم ينهزم الجيش النازي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الاستخدامات لم تكن تخضع لقوانين دولية بعد، إذ تم إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، كما جرى التوقيع على اتفاقية جنيف 1949، ثم أخيرا توقيع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على تعهد بحظر استخدام الغذاء كسلاح في 2023.