حوار – نهى خورشيد

في زمن كانت فيه كرة القدم الجنوب إفريقية تبحث عن مكانها في عالم الساحرة المستديرة ولد مارك فيش يوم 14 مارس عام 1974 في كيب تاون لكي يصبح بعد فترة قصيرة واحداً من الأسماء التي ساهمت في رسم طريق البافانا في القارة السمراء.

ومن ملاعب جومو كوزموس، مروراً بتجربة أورلاندو بايرتس الذهبية، وصولاً إلى الملاعب الأوروبية في إيطاليا وإنجلترا، صنع فيش مسيرة كروية ثرية نجح خلالها في تحقيق نجاحاً محلياً بجانب احترافه القاري والعالمي.

وأجري “مصراوي” حواراً مع فيش للكشف عن رأيه في مجموعة بلاده مع منتخب مصر والمواجهة المرتقبة بينهما، وذكرياته أمام الفراعنة، بجانب كواليس بدايته الكروية وماذا فعلت الساحرة المستديرة في حياته قبل وبعد الاعتزال.

وفيما يلي أسئلة الحوار..

كيف ترى مستوى مجموعات كأس الأمم الإفريقية؟

أعتقد أن المجموعات متقاربة إلى حد كبير، وأتطلع لرؤية بطولة إفريقية تبرز كرة القدم الخاصة بالقارة السمراء بأعلى مستوى ممكن.

ما تقييمك للمجموعة الثانية؟

بالنسبة لمجموعة جنوب إفريقيا ومصر وزيمبابوي وأنجولا، أرى أنها صعبة بالفعل، جميع المنتخبات تلعب بأساليب مختلفة؛ لديك خبرة وقيمة منتخب مصر، والانضباط والموهبة الطبيعية لدى جنوب إفريقيا، إلى جانب القوة البدنية لمنتخبي أنجولا وزيمبابوي، وهما منتخبان قادران في أي يوم على هزيمة أي فريق.

من تتوقع أن يتأهل عن المجموعة الثانية؟

أرى أنها مجموعة قوية جداً، لكنني أتوقع في النهاية أن ينجح منتخبا جنوب إفريقيا ومصر في التأهل عن هذه المجموعة.

هل ما زالت هناك منتخبات صغيرة في كأس الأمم الإفريقية؟

في الحقيقة، أعتقد أن جميع المجموعات أصبحت صعبة الآن، لأنه لم يعد هناك ما يسمى بالمنتخبات الصغيرة، إذا شاهدنا النسخة الأخيرة من كأس الأمم الإفريقية، فقد رأينا العديد من المفاجآت، وأنا واثق أننا سنشاهد مفاجآت جديدة.

التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية في حد ذاته أمر صعب، وبمجرد الوصول إلى البطولة، تصبح كل المنتخبات قادرة على مفاجأة غيرها، لم يعد هناك فرق صغيرة في أمم إفريقيا.

على سبيل المثال، منتخب الرأس الأخضر “كاب فيردي”، يعجبني كثيراً لقد قدموا مستوى جيداً جداً في البطولة الماضية أمام جنوب إفريقيا، صحيح أننا فزنا عليهم بركلات الترجيح في النهاية، لكن خلال المباراة نفسها سنحت لهم فرصة أو فرصتان كان بإمكانهم من خلالهما إقصائنا من ربع النهائي.

وبعد ذلك واصلوا تطورهم ونجحوا في التأهل إلى كأس العالم، لذلك لم يعد من الممكن اعتبارهم منتخباً صغيراً، اليوم نحن نعرف قدراتهم جيداً وهناك توقعات منهم، وحتى إن وصفهم البعض بأنهم منتخب أو دولة صغيرة، فإن الرأس الأخضر بالتأكيد لم تعد كذلك كروياً.

كيف ترى الفجوة بين المنتخبات الكبيرة وبقية المنتخبات الإفريقية؟

نعم، أعتقد أن ما يسمى تقليدياً بالمنتخبات الكبيرة، سواء في شمال إفريقيا أو غربها، قد اقترب مستواها كثيراً من بقية المنتخبات، نرى الآن منتخبات كانت تصنف أقل، لكنها باتت تضغط وتدفع المنتخبات الكبرى إلى مراحل متقدمة من المنافسة، كما شاهدنا في النسخة الماضية من كأس الأمم الإفريقية، الفجوة بين المنتخبات الكبيرة والصغيرة تقلصت بشكل واضح.

هل تصدر المجموعة يضمن الأفضلية في الأدوار الإقصائية؟

إذا كنت في مجموعة قوية ونجحت في التأهل منها، فإنك تدخل الأدوار الإقصائية بثقة كبيرة، لكن هذا لا يعني أنك إذا تصدرت مجموعتك ستفوز تلقائياً على فريق حل ثانياً في مجموعة أخرى، كرة القدم لم تعد تحسم بهذه الطريقة.

مرة أخرى، هذا يؤكد أن الفوارق تقلصت كثيراً، لذلك يجب الحفاظ على الزخم الإيجابي، وتقديم مباريات قوية في دور المجموعات، ثم الدخول إلى مرحلة خروج المغلوب بنفس التركيز.

ما هو مفتاح النجاح في البطولات القارية؟

المفتاح الأساسي هو التأهل من دور المجموعات، المنتخبات تلعب اليوم بانضباط تكتيكي عالٍ، ولديها خبرة كبيرة، الأهم هو الخروج من دور المجموعات بأفضل طريقة ممكنة، من خلال تقديم كرة قدم جيدة، والالتزام التكتيكي، وأحياناً بناء الزخم الذي يساعدك في الأدوار الإقصائية.

كل منتخب يملك طريقته، لكن في النهاية، بغض النظر عن الكيفية، فإن التأهل من دور المجموعات هو الهدف الأول، ثم التعامل مع البطولة مباراة بمباراة، والتركيز على اللقاء الأول ثم الثاني، وضمان تحقيق الهدف الأساسي، وهو الوصول إلى مرحلة خروج المغلوب، هذه هي طبيعة كرة القدم في البطولات، التركيز في كل مباراة على حدة.

هل ما زال اللاعبين المحترفين في أوروبا يمثلون أفضلية؟

في السابق، كنت أعتقد أن المنتخبات التي تضم عدداً أكبر من اللاعبين المحترفين في أوروبا تملك أفضلية، لكنني الآن أرى أن الأمر لا يتعلق فقط بكون اللاعبين محترفين في أوروبا أو محليين أو داخل القارة الإفريقية، المسألة أصبحت مرتبطة بكيفية بناء المنتخب الوطني، وكيفية إعداد اللاعبين وتجهيزهم لبطولة مجمعة.

ما الفرق بين كرة القدم في البطولات والتصفيات؟

كرة القدم في البطولات تختلف عن تصفيات كأس العالم أو تصفيات أمم إفريقيا، لأنك تمتلك الفريق لفترة قصيرة، تلعب مباراة، ثم بعد أيام قليلة تلعب مباراة أخرى، مع وقت إعداد محدود، صحيح أن المنتخبات التي تضم لاعبين محترفين في أوروبا تبدو أحياناً أقوى بسبب مستوى المنافسة التي يلعبون فيها لكن في النهاية، الأمر يعود إلى المدرب الوطني وكيفية تحضيره للفريق.

ما نصيحتك للمنتخبات الإفريقية المشاركة لأول مرة في البطولة؟

بالنسبة للمنتخبات الإفريقية الشابة أو التي تخوض البطولة لأول مرة، أعتقد أنه عليها أن تذهب وتستمتع بالمشاركة، صحيح أن الاتحادات دائماً لديها توقعات، لكن إذا كانت التوقعات واقعية، ومبنية على تقديم أفضل ما يمكن، فإن ذلك يساعد اللاعبين على اللعب دون ضغط، والاستمتاع، وقد يؤدي ذلك إلى بطولة ناجحة ومفاجأة الكثيرين.

كيف تتوقع مواجهة جنوب إفريقيا ومصر؟

المواجهة المرتقبة بين منتخبي جنوب إفريقيا ومصر ستكون معقدة وصعبة كعادتها، خاصة وأن المنتخب المصري يضم لاعبين من الطراز الرفيع يتقدمهم محمد صلاح، إلى جانب تاريخه الكبير وقدراته الفنية.

كيف ترى جاهزية المنتخبين قبل اللقاء؟

منتخب مصر يلعب في الفترة الأخيرة بثقة كبيرة، وفي المقابل نحن أيضاً تأهلنا من مجموعة بالغة الصعوبة، وتمكنا من تصدرها في مشوار التأهل إلى كأس العالم وخلال العامين الماضيين، منتخبنا الوطني يعيش حالة مميزة للغاية، حققنا نتائج وأداء لا تصدق، لذلك أرى أن المباراة ستكون متكافئة إلى حد كبير، نحن نحترم المنافس دائماً، لكن لم يعد لدينا ذلك الشعور بالخوف الذي كان موجوداً في السابق عند مواجهة منتخبات شمال إفريقيا.

ما رأيك في الجهازين الفنيين لمصر وجنوب أفريقيا؟

بالطبع، مدربا جنوب إفريقيا ومصر يقومان بعمل جيد، المنتخب المصري تأهل إلى كأس العالم، وهذا دليل على أن حسام حسن يفعل شيئاً صحيحاً ويسير بخطى ثابتة، أما منتخبنا أيضاً يملك لاعبين يؤمنون بمدربهم، ويلعبون بثقة كبيرة، لقد احتاج إلى ثلاث سنوات ليصل إلى ما هو عليه الآن، وأنا سعيد جداً بالمدرب الحالي لمنتخب جنوب إفريقيا، وأتمنى له بطولة ناجحة، رغم أن اتحادنا أحياناً يكون متقلباً في ردود أفعاله تجاه البطولات والنتائج، أتمنى أن يقدم الفريق أداءً جيداً.

كيف ترى وضع محمد صلاح مع منتخب مصر بعد أزمته الأخيرة مع ليفربول؟

أما محمد صلاح، فأعتقد أن ما يحدث له مع ليفربول سيضعه جانباً لأنه يحب اللعب لمصر ويحب تمثيل بلاده، أعتقد أن أحد أحلامه هو رفع كأس الأمم الإفريقية مع منتخب مصر، وأن يحقق هذا الإنجاز ليكتمل مشواره كأحد نجوم كرة القدم العالمية في القارة الإفريقية، لذلك أرى أنه سيترك كل ما يحدث خارج الملعب، وسيكون تركيزه الكامل على تقديم أفضل ما لديه مع منتخب بلاده.

من أبرز المرشحين للفوز بكأس الأمم الإفريقية؟

أرى أن هناك العديد من المنتخبات القادرة على الفوز بكأس الأمم الإفريقية، من الخارج، قد يبدو المنتخب المغربي هو المرشح الأبرز، خاصة أن البطولة تقام على أرضه، إلى جانب منتخب السنغال، بالنظر إلى الطريقة التي تأهل بها لكأس العالم.

لكن في النهاية، أعتقد أنها بطولة مفتوحة على كل الاحتمالات، وهناك أكثر من منتخب قادر على التتويج.

ما أبرز ذكرياتك كلاعب أمام منتخب مصر؟

لعبت ضد مصر، وأتذكر بعض النسخ إذ فزنا على مصر في إقليم الشمال الغربي، ثم في كأس أمم إفريقيا 1996 خسرنا مباراتنا الثالثة في دور المجموعات، رغم أننا كنا قد ضمنا التأهل بالفعل، وآخر ذكرى لي كلاعب تعود إلى عام 1998، عندما خسرنا أمام مصر في المباراة النهائية التي أقيمت في بوركينا فاسو.

كيف تنظر اليوم لمواجهات مصر من موقع المشجع؟

وخلال مشواري كنت دائماً أجد المواجهة أمام مصر صعبة للغاية، لكن حالياً أنا مشجع وأشعر أننا نسير بالشكل الصحيح، وأؤمن تماماً بذلك.

حدثنا عن تأثير عائلتك في مسيرتك الكروية؟

بالنسبة لي شخصياً، كان دعم عائلتي مهماً جداً، إذ نشأت مع والدتي فقط، وكانت تعمل في وظيفتين، وتبذل كل جهدها لتأمين فرصة لي لممارسة كرة القدم، كانت تحرص دائماً على أن تجد وسيلة، سواء سيارة أو سيارة أجرة، لتأتي وتشاهدني ألعب وأنا طفل، بدأت اللعب كمهاجم في سن السادسة، وعندما انضممت إلى نادي جومو كوزموس وقعت كمهاجم، ثم اضطررت للعب في الدفاع بعد طرد أحد المدافعين، ومنذ ذلك اليوم لعبت كمدافع طوال مسيرتي.

كيف تقيم مسيرتك مع الأندية والمنتخب؟

فترة جومو كوزموس كانت رائعة، ثم انتقالي إلى أورلاندو بايرتس كان تجربة مذهلة، في عام 1994 أصبحت بلادنا دولة ديمقراطية جديدة، وبعدها فزنا بالدوري مع أورلاندو بايرتس في 1995، ثم حققنا دوري أبطال إفريقيا في نفس العام، كانت بداية مسيرتي مليئة بالنجاحات، ثم في 1996 فزنا بكأس الأمم الإفريقية مع جنوب إفريقيا، كنت محظوظاً باللعب مع لاعبين رائعين، ثم حصلت على فرصة الاحتراف في الدوري الإيطالي، الذي كان في التسعينيات أفضل دوري في العالم، ولعبت مع وضد بعض من أفضل لاعبي العالم، ومنهم جورج وياه، الفائز بالكرة الذهبية الإفريقية والعالمية مع ميلان.

كيف تصف علاقتك بكرة القدم اليوم؟

أنا ممتن جداً لكل ما قدمته لي كرة القدم، ولكل ما علمتني إياه اليوم، ومع التغيرات الكبيرة في عالم كرة القدم والحياة، أجد نفسي مطالباً بتغيير طريقة تفكيري أيضاً، حالياً أنا منخرط في تطوير كرة القدم، وتدريب الناشئين، وأتمنى أن أساهم في صناعة نجوم المستقبل، ليس فقط كلاعبين، بل كأشخاص صالحين يتمتعون بالأخلاق والقيم.

كرة القدم علمتني الكثير، وشكلت شخصيتي، وفي هذا العصر المتغير، نحاول استخدام كرة القدم لتغيير حياة الأطفال في جنوب إفريقيا نحو الأفضل.

ما أهمية الحفاظ على إرث نجوم الكرة الإفريقية؟

من الجميل دائماً أن ألتقي بأساطير كرة القدم الإفريقية الذين لعبت معهم أو ضدهم، لأننا نتشارك نفس الذكريات والتجارب.

أعتقد أننا كلاعبين مثلنا منتخباتنا وبلادنا، علينا أن نواصل سرد قصصنا، سواء من خلال التدريب، أو التعليم، أو مجرد طريقة عيشنا كرة القدم أسلوب حياة، وما منحته لي يجعلني ممتناً لها إلى الأبد.

شاركها.
Exit mobile version